محزن ختامك يا عام الوباء، وكأن حصادك لأكثر من ستين فناناً عربياً لم يكن كافياً، فقررت أن تطوي صفحاتك على خبر هزنا جميعاً، وأحزننا من الأعماق؛ فرحيل المخرج حاتم علي ليس خبراً تقرأه في صحيفة أو من خلال السوشيال ميديا، فتترحم عليه، وتكمل ما كنت تفعله أو تنتقل لخبر آخر؛ بل يوجعك ويمسك؛ لأن حاتم لم يكن مخرجاً عادياً، ولم يمر على شاشاتنا إلا وحفر خطاً؛ ليمشي خلفه آخرون.
حين تذكر المخرجين الاستثنائيين، لا بد أن تتحدث عن حاتم علي مطولاً، ولا بد أن تعود بذاكرتك إلى كل تلك الأعمال التي قدمها للجمهور العربي، فخلف كل أو معظم تلك المسلسلات، هناك قصص تحدٍ واجهها بإرادة وخرج منها منتصراً، محققاً قفزة في سجل إنجازاته وفي سجل الدراما العربية.
عمل في سوريا وفي دول الخليج وفي مصر برؤية المخرج المتمكن من طبيعة كل مكان، والمتعمق في تاريخ وجغرافية الأماكن وطبيعة الشعوب والمجتمعات والثقافات؛ لذلك عرف حاتم علي كيف يكسب ود الجمهور العربي كله، وكسب الجوائز ومنحه الفنانون والكتّاب كامل ثقتهم؛ لأنهم فهموا جيداً أنه أمين على المادة التي يحملها بين يديه، وأنه يملك رؤية مختلفة وقدرة على تقديم أعمال مميزة، يتجدد هو فيها، ويجدد متعتنا في المشاهدة بشغف.
ماذا نذكر من أعمال هذا المخرج وماذا نترك؟ الفصول الأربعة، ملوك الطوائف، الزير سالم، الملك فاروق، الفاروق عمر، كأنه مبارح، أهو دا اللي صار.. القائمة طويلة، وكل عمل يحمل طبيعة وظروفاً وتحديات واجهها حاتم بقلب المبدع المصر على كسر القوالب الجامدة؛ لتقديم فن حقيقي ومختلف.
«الملك فاروق» كان تحدياً مهماً بالنسبة للمخرج السوري القادم إلى مصر ليتحمل مسؤولية مسلسل كتبته الدكتورة لميس جابر، ويحكي عن ملك مصري وحقبة مهمة من تاريخ مصر والعالم العربي. وقتها غضب بعض المصريين من تسليم هذه المهمة لمخرج «غير مصري»، الذي أسند البطولة أيضاً لممثل «غير مصري» وهو تيم حسن، وترك هؤلاء العمل بكل تفاصيله، وبكل أهميته؛ ليتفرغوا للمقارنات العنصرية والرؤية العصبية الضيقة للأمور، بينما أكمل حاتم علي وكل فريق عمله رحلتهم صعوداً ليحققوا نجاحاً مبهراً ليس في مصر فقط؛ بل في العالم العربي.
ومن تحديات حاتم علي المبهرة أيضاً، مسلسل «الفاروق عمر» عن حياة الصحابي عمر بن الخطاب، والذي جاء ليفتح خطاً جديداً أمام الدراما العربية في تناولها لشخصيات دينية. المسلسل تحفة فنية، وإخراج حاتم علي الذي اهتم بأدق التفاصيل، جاء على مستوى عالمي.
أما «أهو دا اللي صار» والذي بدأت عرضه حديثاً «نتفليكس»، فهو لقاء القمة بين الكاتب عبد الرحيم كمال وحاتم علي. مسلسل يمكنك مشاهدته أكثر من مرة بلا ملل، وفي كل مرة يزيدك إعجاباً بكل من وما في العمل. إنه سر حاتم علي الذي أبهرنا في حياته، وصدمنا برحيله وهو ما يزال ينبض عطاء وإبداعاً.