أصبح من الصعب الآن أن تسمع أغنية جميلة.. فقد كان محمد عبدالوهاب يقول: «إن الأغنية الآن تشبه المناديل الورقية تستخدمها مرة واحدة».
إن الأغنية العربية تعاني الآن أمراضاً كثيرة، أبرزها: مستوى الكلمات بعد أن سيطرت اللهجات العامية على أذواق المطربين والمطربات، وأصبحت كل دوله تفضل أن تغني بلهجتها، وكانت النتيجة هي اختفاء اللُّغة الفصحى من ساحة الغناء.
اليوم، قليلاً ما تسمع قصيدة شعر على لسان مطرب كبير باستثناء كاظم الساهر أو ماجدة الرومي أو ما بقي من غناء فيروز.. فالأصوات القبيحة أسوأ ما أصاب الأغنية العربيّة، ابتداء بما يسمى غناء الشوارع، وهي مجموعات من الشباب اقتحمت حياة الناس حيث لا كلام ولا أصوات ولا إحساس، وللأسف الشديد؛ سيطرت على أذواق الشباب، وتجمعت حولهم بالملايين، ووصل بعض أفرادها إلى العالمية.
علينا الاعتراف بأن تراجع الذوق العام كان سبباً في هبوط مستوى الأغنية، وأن الذوق العام هو الذي شارك في صنع أسطورة أم كلثوم والسنباطي وعبدالوهاب ورامي وتلك الكوكبة من رموز الغناء في عصره الذهبي.
إن كلمات رامي وموسيقى السنباطي هي التي حلقت بصوت أم كلثوم، وموسيقى الرحبانية وفليمون وهبة وكلمات جبران وجوزيف حرب ونزار قباني هي التي صنعت أسطورة فيروز.
تاريخ الأغنية العربية قام على مجموعة من الرموز التي جمعها الله في زمن واحد، لكي ترتقي بالوجدان العربي، وتقدم له زاداً فنيّاً جميلاً وإبداعاً راقياً.
الشيء المؤكد هو: أن الأغنية العربية تعيش اليوم محنة قاسية ما بين كلام هابط وأصوات قبيحة وجمهور تخلى عن دوره ورسالته في تقدير الغناء الحقيقي، وأنا هنا لست في حالة عداء مع اللهجات العامية، لأن من حق كل شعب أن يعتز بتراثه ولغته، لكن تراجع اللغة الفصحى في الغناء يمثل خسارة كبيرة لتاريخ طويل من الفن الراقي والإبداع الجميل، وجماعات الفن الهابط التي أفسدت أذواق الملايين، وتنتشر على الشاشات، مثل: الخفافيش أساءت للأغنية العربية كلاماً ولحناً وغناء.
عندما اقتحم الغناء الهابط الساحة في بداياته تمنّيت لو أنني شاهدت على شاشات التلفزيون رجال الشرطة وهم يقتحمون الشاشة، ويلقون القبض على المطرب متّهماً بالغناء وإفساد أذواق الناس أسوة بتجارة المخدرات، لأن الغناء الهابط جريمة، والأزمة الحقيقية أن هناك أجيالاً عاشت زمن الغناء الجميل، وكان قدرها أن تعاني محنة الغناء الهابط.
صحيفة الرؤية