عن عمر يناهز 57 عاماً، وبعد حياة أدبية حافلة بالعطاء والتجدد رحيل يوم الحد 11 يونيو 2023 الروائي المصري حمدي أبوجليل الذي ترك صدمة في الأوساط الثقافية المصرية، حيث نعاه عدد كبير منهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
ولد أبوجليل في الفيوم عام 1967، حيث عمل في بعض المِهن اليدوية الخشنة، مثل مهنة عامل بناء، قبل أن يبزغ نجمه في سماء الثقافة المصرية. وحفر خلالها بصمة خاصة في فضاء القصة القصيرة والرواية. زاد من حِدة هذه الصدمة شخصية «أبو جليل» المرحة، وروحه المُحبة للفكاهة والسخرية، والتي انعكست في طرائق سرده وبنائه لشخوصه الروائية وعوالمهم المسكونة بالمغامرة واللعب على مفارقات الحياة، حتى إن كثيرين لم يصدّقوا خبر رحيله، واعتبرها البعض مجرد دعابة، على غرار ألاعيبه الروائية، إلى أن أعلنت ابنته الكبرى هالة نبأ وفاة والدها على صفحتها بـ«فيسبوك».
أحدثت روايته الأولى «لصوص متقاعدون»، 2002، أصداء قوية، ولقيت احتفاء نقدياً لافتاً، وتُرجمت إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، كما فازت روايته «الفاعل»، 2008، بجائزة «نجيب محفوظ» للرواية العربية، التي تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة، وتُرجمت إلى الإنجليزية بعنوان «كلب بلا ذيل». ووجد النقاد في كتاباته صوتاً مختلفاً وكاتباً يملك مفاتيح عالم روائي شديد الخصوصية.
وحول نشأته الأدبية، كان أبو جليل يردد أنه تربّى إبداعياً على مائدة ثلاثة مبدعين كبار اهتموا بالأصوات الجديدة؛ هم: خيري شلبي، وإبراهيم أصلان، ومحمد مستجاب. وكان يفخر بأن خيري شلبي يشبّهه بماركيز واصفاً وجوده بأنه «ضرورة لأي مشهد ثقافي وأدبي»، وكان يلحّ دائماً على فكرة أن الحقيقة أقوى من الخيال، وأروع، وأخصب، وأكثر سحراً، وأن تجارب الإنسان بكل ما فيها أثرى من خيالات أفضل الروائيين.
وحول رحلة «أبو جليل» قال الكاتب الدكتور أحمد الخميسي: «فجَعَنا الموت باختطاف الكاتب الروائي حمدي أبو جليل، وهو في السادسة والخمسين من عمره، وبمعايير زماننا فقد خسرناه شاباً في عز سنوات الإبداع والتألق.
وكتب الناقد الأدبي الدكتور يسري عبد الله، على صفحته بـ«فيسبوك»، قائلاً: «في مكالمتنا الأخيرة بالأمس، وكنا نتهاتف يومياً، ونلتقي حسب ما يتيسر الوقت لكلينا. لم تنقطع علاقتنا يوماً واحداً طيلة عشرين عاماً، وعزّزتها الحوادث واللقاءات والضحكات النابعة من القلب، والحكمة التي ارتأيتها فيه، فالسخرية العظيمة كانت تخفي تأملاً عظيماً».
وقال الكاتب الصحفي سيد محمود، صديق الراحل منذ 30 عاماً: «رغم خشونته البادية فإنه كان طيباً هشاً وصاحب موهبة فذّة في كتابة تشبهه تماماً، لصيقة بالذات وتعبر أيضاً عن الجماعة، كانت خفة دمه العنوان إلى قلبه النابض بالحياة. لم أعرف في حياتي مَن هو أكثر قدرة على السخرية من ذاته، مثلما كان حمدي الغاضب كموجة، والرقيق كوردة، فهمت، اليوم فقط، لماذا كانت كل صوره الأخيرة في ظلال الشجر، وأحاديثه كلها عن الموسيقى».
وعلّق الناقد الدكتور محمد بدوي قائلاً: «الموت مؤلم، لكن الأكثر إيلاماً الموت قهراً، وحمدي أبو جليل مات مقهوراً، لم يكن عدمياً، بل كان محباً للحياة، عيبه الوحيد أنه طلب الاعتراف ممن هم أقل منه موهبة وشرفاً، هذه بلاد تأكل أفضل أبنائها، ليست صالحة لمن عاقبتهم الطبيعة بالتميز».
رحيل الروائي المصري حمدي أبو جليل عن 57 عاماً