«دلمون» وتاريخ الخليج – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

لفترة طويلة ظلّت المصادر حول كتابة تاريخ الخليج العربي محصورة، إلا في ما ندر، في كتابات الرحالة الذين أتوا إلى المنطقة، لأسباب مختلفة، بينها استكشاف تفاصيلها لصالح الإمبراطوريات التي كانت عينها على الخليج العربي للسيطرة عليه، بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي كمفترق طرق، وبوابة لآسيا، وأيضاً بسبب ما في جوفه من ثروات واعدة.
وأتى بعض هؤلاء ضمن فرق التبشير التي نشطت في المنطقة، وبينهم أطباء ومعلمون، دون أن نغفل أيضاً أن الفضول وحب مغامرة الاستكشاف كانا باعثين لبعض هؤلاء الذين تحملوا مشقات السفر إلى المنطقة التي كانت خلواً من الخدمات والمواصلات.
في بلدان الخليج تنشط، اليوم، حركة بحث متعددة الأوجه في تاريخ المنطقة، على أيدي باحثين من أبنائها وبناتها، سواء أولئك الذين تخصصوا في دراسة التاريخ، أو الذين يتملكهم الشغف بمعرفته، بصرف النظر عن مهنهم وتخصصاتهم، فينصرفوا إلى التنقيب في المجهول في تاريخ بلدانهم، بتقصي ما كتب عنها في اللغات الأخرى، أو بتدوين الشهادات الشفوية الكثيرة لمن عاصروا أحداثاً فاصلة في هذا التاريخ.
في البحرين، مثلاً، تصدر دورية متخصصة في التاريخ، هي دورية «دلمون»، الاسم القديم للبحرين، تعنى بنشر الأبحاث والدراسات والوثائق والصور عن تاريخ البحرين نفسها، ومنطقة الخليج عامة، لباحثين بحرينيين ومن بلدان خليجية أخرى، بينها الإمارات.
وتصدر «دلمون» عن جمعية آثار وتاريخ البحرين، التي تعدّ من أوائل الجمعيات الأهلية في البحرين، حيث مضى على تأسيسها عدة عقود، إذ نشأت في العام 1953 على شكل نادٍ مصغر للمهتمين بالمواقع الأثرية، قبل أن تتحول إلى واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في الحقلين الثقافي والبحثي المتخصص، ويرأسها الدكتور عيسى أمين الذي يجمع بين مهنة الطب والشغف بدراسة التاريخ، حيث كتب وترجم عشرات الكتب والدراسات ذات الصلة به.
المجلة هي أحد أوجه نشاط الجمعية، التي تقدّم مواسم ثقافية متتالية على شكل محاضرات وندوات لمختصين، وتيسر الأبحاث التي تنشرها المجلة مراجع مهمة للباحثين لا في تاريخ بلدان الخليج وحدها، وإنما أيضاً حول الحضارات المجاورة التي أثرت فيها، أو أنها كانت جزءاً منها، وفي مقدمتها حضارة وادي الرافدين، محققة بذلك إضافة مهمة، يمكن وصفها بالرائدة، في تأمين مرجع بحثي دوري، وبجهود مؤسسة أهلية.
هذا الاهتمام يأتي في سياق التفاتة عامة في مختلف بلداننا الخليجية إلى الصفحات المنسية في أزمنة يمكن أن تعدّ غابرة اليوم، تؤكد ما لهذه المنطقة من ماضٍ حضاري قمين بالتعرف عليه والتعريف به. 

جريدة الخليج