دستور المستقبل – بقلم صفية الشحي

صفية الشحي

يميل البشر للتفكير فيما أمامهم وتجاهل ما يخبئه المستقبل، حتى لو كانت المؤشرات التحذيرية صارخة إلى حد لا يقبل التردد، وقد أثبتت جائحة كوفيد 19 وتبعاتها صحة هذه النظرية حول طبيعة البشر عموماً، إلا من فئة تتحدث بلغة العلم والأرقام، وهي اللغة الوحيدة التي كشفت ما حدد مصائر شعوب ومجتمعات وصناعات حول العالم، ولقد اختبر هذا الفيروس قابليتنا للتكيف مع الكثير حين أصيب به أكثر من سبعة ملايين شخص حول العالم، وفقد أكثر من أربعمئة ألف إنسان حياتهم ثمناً للفوضى والأنانية والإهمال من قبل بعض الحكومات والقطاعات التي شلها الذعر والتخبط.
في تقرير صادر عن جامعة دبي في 2020، تحت عنوان: «العالم ما بعد كوفيد 19 – سيناريوهات مستقبلية» تم طرح أسئلة مهمة مثل، ما نوع المجتمعات التي نريد العيش فيها؟ وهل نخشى ما أصبحنا عليه؟ لتأتي الإجابة من خلال خريطة ذهنية تفسر طبيعة التسارع الذي نواجهه هذه الفترة، من خلال تحليل خمس مساحات يمكن أن تمثل فرصاً للبشرية وهي: نهضة المجتمع عبر إعادة تقييم تفاعلنا العاطفي والنفسي والجسدي مع التحديات، الاقتصاد المتوافق مع البشر والذي يهتم بالصحة والتناغم، إعادة تشغيل المعرفة عبر تعزيز مفاهيم جديدة مثل التعلم الذاتي، أخلاقيات التكنولوجيا بحيث يتم فهم وتحليل نتائج التدخل التكنولوجي في حياتنا بشقيها الإيجابي والسلبي، وأخيراً ما وراء المجتمع المتمركز حول الإنسان وكيفية ارتباط ذلك بالأتمتة ووظائف المستقبل.
كذلك طرح التقرير أربعة سيناريوهات محتملة للتعامل مع الجائحة وهي: الأساسي، التوازن، التحول والانهيار، وقد توقع 54٪ من المشاركين في الدراسة سيناريو التحول والذي يتضمن تشكيل نوع جديد من التحالفات والشراكات بين الأمم المختلفة للعبور بالأرض من هذا التحدي بأقل الخسائر، بينما توقع 2٪ منهم سيناريو الانهيار والذي لا نتمناه بطبيعة الحال.
في ذات السياق احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثالثة عالمياً ضمن مؤشر الاقتصادات الأكثر مرونة في العالم في عام 2020 وفقاً لتقرير يورومونيتر العالمي، مما يؤكد صحة خطوة الحكومة الاستباقية بتصميم استراتيجية للمستقبل في عام 2016 لتتحول إلى أنموذج ريادي هو الأقرب لسيناريو التحول الذي يتوقعه التقرير، فالمستقبل ينتمي لأولئك القادرين على التخيل والتصميم والتنفيذ، «فنحن لا ننتظر المستقبل بل نبتكره» وهي كلمات تؤمن بها قيادة حكومتنا الرشيدة وتمثل دستوراً يعيننا على فهم موقعنا في الحاضر وابتكار مستقبلنا بمعايير أكثر استدامة لنا ولأبنائنا، وهذا الدستور لا يقتصر على من يديرون قطاعات مهمة وحيوية في الدولة، بل وعلى كل الأفراد الذين يجب أن يتعاملوا مع ملكاتهم وخبراتهم ومهاراتهم وفرصهم من منطلق قيادي بحت، فالجميع مسؤول عن الانتقال بنا إلى الغد دون استثناء. 

جريدة الخليج