لم يكن محمود، من النوع الذي يمكن أن يُخفي ابناً أو ابنة. وإن كان قد فعل، ولم يعط سره إلا لبركات ـ وهذا من سابع المستحيلات ـ فالأجدر بالأخير أن يربأ بنفسه عن التقول على رجل أكرمه ولم يعد من أهل الدنيا!
خرج علينا الشاعر والروائي السوري الكردي سليم بركات، بحكاية من فقرة واحدة، حاول من خلالها النيل من سمعة الشاعر محمود درويش. غير أن المحاولة أساءت لصاحبها وارتدّت عليه إسهاباً في تقريعه، بحكم أن محمود أكرمه وقربه إليه وجعله سكرتير تحرير مجلته الأدبية “الكرمل” وأشاد به واختصه بمواساة شعرية، في قصيدته “لا تعتذر عما فعلت”، متحسساً آلام غربته القسرية، بعيداً عن القامشلي. اختزل محمود، شتات السوريين، لدواعي السياسة (قبل سنين من شتاتهم لدواعي القصف) في شخص سليم بركات، وكتب “ليس للكردي إلا الريح”!
في مقالة بعنوان “محمود درويش وأنا”، كتب بركات ما معناه، أن محموداً اعترف له بسرٍ خطير، وهو أنه قد أنجب ابنة من امرأة متزوجة. غير أن هذا التدريب العملي، بالذخيرة الحية، على قلة الوفاء، اصطدم بطبائع محمود الذي يجاهر بما في نفسه دون حرج، مطمئناً إلى أن خياراته الإنسانية والاجتماعية الوطنية حق مكفول له. والشاعر كانت لديه مشكلة طبيعية في الإنجاب أصلاً، وهذا معروف عنه، وإن كانت زوجته الأولى السيدة رنا القباني، ابنة شقيق نزار، لم تشأ جرح سيرته في أي تفصيل، فاكتفت بالقول إن محمود لم يكن يريد أطفالا، وأن ذلك سبب انفصالها عنه. فقد ظلت الكاتبة والباحثة رنا، على وداد جميل مع محمود بعد زواجها من الكاتب البريطاني باتريك سيل!
في شبابه اليافع في فلسطين، أحب محمود الفتاة اليهودية “ريتا” ولم يتكتم على غرامه، بل أهداها قصيدته المبكرة “بين ريتا وعيوني.. بندقية” وعلى إثرها غادرت “ريتا” إسرائيل. كتب أول أشعاره ومقالاته في مطبوعات حزب “العمل” الإسرائيلي. ولما التقاه إميل حبيبي في حافلة بمحض المصادفة، زجره فقال له سأظل أكتب بقناعاتي طالما أنهم ينشرون لي، وما لم تنفتح لي مطبوعات حزبكم الشيوعي. فكان الانتقال سريعاً بمفعول صراحته. بل إن جرأته في الإعراب عن دواخله، جعلته يتقدم إلى رنا وتقبله في خمس دقائق. كان يقدم أمسية شعرية، في أميركا، وكانت رنا، الطالبة في السابعة عشر، تجلس في الصف الأول. أعجب محمود بها، وما أن انتهت الأمسية ونزل عن المنصة، حتى توجه إليها عارضاً الزواج منها فوافقت على الفور!
لم يكن محمود، من النوع الذي يمكن أن يُخفي ابناً أو ابنة. وإن كان قد فعل، ولم يعط سره إلا لبركات ـ وهذا من سابع المستحيلات ـ فالأجدر بالأخير أن يربأ بنفسه عن التقول على رجل أكرمه ولم يعد من أهل الدنيا!
صحيفة العرب