هل فكرت في المتغيرات الثقافية، الفكرية، الفنية، التي قد تحدث بعد «كورونا»؟ هل ستضع القيم الإنسانية لمسات جديدة على ميادين الإبداع؟ هل ستغدو للقضايا العادلة أصداء توصل أصواتها إلى قمم الجبال الصماء؟ هل ستظل القمم صماء، أم ستُخضعها المقادير للفحص والعلاج، فتكتشف آذانها صرخات البشر؟
رجاء لا تقل: لماذا كل هذا التهويل؟ فما حدث خضّة، ركلة جزاء قدرية، وتهدأ العاصفة بعد العصف المأكول. لا تذهب بعيداً. عفواً، هذا المنطق هراء، وأنت منه براء. ألست تؤمن إيماناً أعمى، سلمت عيناك، بأن الحضارة الغربية هي الكل في الكل، فلا من يباري ولا من يجاري؟ هي ذي اليوم تعرت هيكلاً عظمياً، كأنها ما كُسيت لحماً ولا ثياباً. الذين تقدر ترسانات أسلحتهم بالتريليونات، ولو كوّمت لجاوزت القمر، لا يملكون أسرّة لمرضاهم ولا أجهزة تنفس اصطناعي لمن يخنقهم فيروس.
الآن قل لنا: أليست هذه قضايا ثقافية فكرية؟ إذا كانت العائدات الاقتصادية أهم من البشر، صار الناس بضاعة من الدرجة العاشرة. صار الناس بعض أدوات الإنتاج في ملكية إقطاعية. فماذا يجب أن تكون النتائج المتوقعة؟ دوام الحال من المحال، تراثياً. «إن ربك لبالمرصاد»، قرآنياً. «إن كل فكرة تحمل في طياتها بذور فنائها»، هيجلياً. أمامك مروحة صينية من الزوايا المختلفة لمشهد حقيقة واحدة. إذا كان النظام العالمي أعجز أو أشد حماقة من أن يفهم الجذور الثقافية التي يمكن أن تفجر الحضارة الغربية من الداخل، فعلى النظام العربي أن يرى المنزلقات الخطِرة التي تجرفه إليها العلاقات الدولية. إذا سكت الإعلام فسوف يكون أحد أمرين: مرتكب لا مبالاة إزاء سلامة مستقبل العالم العربي، أو شيطان أخرس.
قد يكون هذا الكلام حديث خرافة يا أم عمرو، فالإمبراطور ترامب، أروع متفائل، إلى حد أن تفاؤله يبعث على التشاؤم، فقد قال بكل ثقة: إن ليل الكارثة سينجلي في ظرف أسبوع. نسأل الله ألّا يكون الفيروس قد لعب بمداركه، وإلا فإن الحكماء لا يمزحون هكذا. شيء مخيف إذا لم يغنِّ العالم له: «أيظن أني لعبة بيديه»؟ يبدو أنك لم تفكر في المتغيرات الثقافية، الفكرية، الفنية بعد «كورونا». «الجايات أكثر من الرايحات».
لزوم ما يلزم: النتيجة الثقافية: مصيبة، لو سمعك العقل العربي تربط الثقافة والفكر بفيروس، لأصابك بضيق النفس والحمى والسعال وحبسك في غرفة.
جريدة الخليج