سنوات من ذهب هي الخمسون سنة التي تكتمل هذا العام على قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. إنها إرادة القادة التي عندما تلتقي مع إرادة الشعوب يصبح تحقيق الأحلام سهلاً، وتصبح مواجهة التحديات طريقاً لمعانقة هذه الأحلام التي تغدو حقيقة ماثلة على أرض الواقع. وعندما تحتفل دولة الإمارات هذا العام بيوبيلها الذهبي، فهي إنما تمثل أنموذجاً ساطعاً لأولئك الذين لا يعترفون بكلمة «مستحيل» في قاموس الحياة، والذين يؤمنون بأن تحطيم الأرقام مهارة لا يجيدها إلا القليلون.
في يوبيلها الذهبي، تضع دولة الإمارات العربية المتحدة الماضي في رصيد إنجازاتها وتنظر إلى المستقبل. يعتز قادتها وشعبها بما تحقق خلال الخمسين الماضية، ويخططون للمحافظة عليه، ويتطلعون إلى تحقيق المزيد منه كي يحفظوا للأجيال القادمة حقها في عيشٍ كريمٍ تحقق لآبائهم وأجدادهم الذين أسسوا هذه الدولة في ظروف مختلفة عن ظروفهم، وفي زمن مختلف عن زمنهم، فاستحقوا أن يكتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في سجل التاريخ.
لقد ودّع العالم قبل يومين عاماً ثقيلاً، عاشت البشرية خلاله جائحة لم يشهد لها مثيلاً منذ مطلع الألفية الثالثة، أصابت حتى نهاية العام المنصرم ما يقرب من 84 مليون شخص، توفي منهم ما يقرب من مليونين، وما زالت تسجل كل يوم أرقاماً جديدة، وتحصد أرواحاً عديدة، بينما يتطلع العالم إلى نهاية لهذا الوباء الذي دمّر اقتصاد أغلب دول العالم، وألغى مشاريعها، وغيّر خططها، وأعادها سنوات إلى الوراء، رغم قوة اقتصاد العديد منها، ومتانة بنيان هذه الدول.
في هذه الأجواء التي لا تخلو من القلق، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بيوبيلها الذهبي وهي أكثر إصراراً على تجاوز الظروف التي فرضتها الجائحة على الجميع. وقد أثبتت دولة الإمارات خلال العام المنصرم أنها كانت جاهزة لمواجهة هذه الظروف، في الوقت الذي وقفت فيه دول عظمى عاجزة عن مواجهة الجائحة والحد من انتشارها، وتوفير الفحوصات والعلاج لشعوبها، فسجلت أعلى معدلات الإصابة وأكبر نسب الوفيات بين مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وفي هذا إشارة واضحة وصريحة إلى أن الدول لا تقاس بعدد سكانها، ولا بمساحة أراضيها، ولا بأسبقيتها في التأسيس والتكوين أو الاستقلال.
وإذا كان أبناء الإمارات قد واجهوا ظروف الماضي بصبر وثبات وعزيمة قوية، فقد واجهوا ظروف الجائحة بتخطيط سليم وقدرة فائقة على الصمود والخروج منها بأقل الخسائر، وأنجزوا خلال عام الجائحة مشاريع ما كان لها أن تنجز لو كانت في دولة غير دولة الإمارات، فأطلقوا «مسبار الأمل» الذي خططوا لأن يصل إلى مداره حول المريخ في سنة احتفالهم بيوبيلهم الذهبي، وهم اليوم على مسافة شهر تقريباً من الموعد المحدد للوصول إلى هذا المدار، كما تستعد دبي هذا العام لاستضافة «معرض إكسبو» الذي تأجلت دورته بسبب الجائحة، رغم اكتمال المنشآت خلال العام الماضي، في الوقت الذي ألغت فيه الكثير من الدول مشاريع كان مقرراً إنجازها، ومعارض كان مقرراً إقامتها، وفي هذا دليل واضح على أن دولة الإمارات لا تنحني أمام الجوائح، ولا تقف عاجزة أمام المصاعب.
إن الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس دولة الإمارات، يمثّل للجيل الذي شهد قيام الاتحاد مناسبة لاستعراض خمسين عاماً من ذهب، كل عام منها عن مئة عام بمقياس ما كان يتحقق فيه من إنجازات كانت تفوق التوقّعات، لكنها لم تكن تحد من طموح قادة الإمارات وتطلعهم إلى تحقيق المزيد، كأنهم كانوا يسابقون الزمن لتعويض شعب الإمارات عن ما فاته قبل قيام الاتحاد. وبفضل هذا الطموح والعمل المستمر أصبحت دولة الإمارات اليوم أنموذجاً فريداً لبقية الدول، وغدت مدنها أيقونات تجمع بين السياسة والاقتصاد والثقافة والسياحة والعيش الآمن المستقر لكل من يتطلع إلى الحياة الهانئة السعيدة. كما أصبحت رمزاً للتسامح والاعتدال ونبذ التطرّف، حيث تلتقي على أرضها كل الديانات والأعراق والجنسيات والثقافات، وتتعايش بأمن وسلام في توافق ووئام.
لقد مثّلت مواقف وأقوال قادة دولة الإمارات خلال العام المنصرم، الذي كان اختباراً صعباً للجميع، خارطة الطريق التي اختطتها الدولة للسنوات الخمسين المقبلة. وهي خارطة واضحة المعالم دقيقة التفاصيل مفعمة بالأمل في مستقبل مشرق لشعبها. لهذا نقول إنه إذا كانت خمسون من ذهب قد انقضت، فإن خمسين من ذهب أيضاً في انتظارنا، بإذن الله تعالى.
جريدة البيان