استضاف المجلس الأعلى للثقافة بمصر، في اليومين الماضيين، ندوة تكريمية لذكرى الناقد والمفكر جابر عصفور، أقيمت بالتعاون بين المجلس ومؤسسة سلطان بن علي العويس، وشارك فيها العشرات من المثقفين والأكاديميين، حيث جرى تسليط الضوء على مساهمات وعطاء عصفور في كافة الأوجه، كونه ناقداً أدبياً ومفكراً وأستاذاً جامعياً ومسؤولاً في الدولة معنياً بالشأن الثقافي.
وأحد المحاور التي توقف عندها المشاركون مساهماته الفكرية ودراساته المختلفة في المسألة التنويرية والدولة المدنية، ومن المفارقات أن عصفور الذي يمكن أن نصفه برجل التنوير في حقبتنا الزمنية هذه، شأنه في ذلك شأن أسماء كبيرة أخرى في مصر، مثل محمود أمين العالم وفؤاد زكريا، ومثلهم توجد أسماء أخرى في مصر وفي غيرها، إنما أتوا في زمن الردة العربية على التنوير.
وهذا ما استوقف جابر عصفور نفسه، حتى أنه في كتابه «هوامش على دفتر التنوير»، توقف عند المحطات المضيئة في التاريخ القريب، ليرى فيها علامات على أن المجتمع العربي كان أكثر قبولاً وتفاعلاً مع جديد الفكر، ومع قيم التنوير والتقدم والعلم والعقل، مما هو عليه اليوم.
ومن بين تلك المحطات ثلاث، الأولى عام 1904 عندما صدرت ترجمة سليمان البستاني لإلياذة هوميروس إلى العربية، وأقيم احتفال بمناسبة صدور تلك الترجمة، حيث ألقى عريف الحفل الأديب يعقوب صرّوف رسالة من الإمام محمد عبده الذي كان وقتها مفتي الديار المصرية، يثني فيها على الترجمة والمترجم، ما جعل عصفور يتخيل أن رجل دين آخر في زمننا سيقول عن الإلياذة، إنها مجرد أساطير وثنية.
في عام 1917 شارك الشاعر حافظ إبراهيم، الذي يوصف بأنه شاعر الإمام محمد عبده، في حفل تأبين المفكر شبلي شميل، أحد دعاة التفسير العلمي للكون والظواهر، حيث لم يأبه حافظ للآراء المضادة لشميل وفكره، فأثنى على سيرته ومنجزه.
ويعيدنا جابر عصفور إلى 1926، حين ثارت ثائرة المحافظين على كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين، فرفعت البلاغات ضد صاحبه إلى النائب العمومي، ولكن الرجل وقف أولاً على ما للمؤلف من فضل لا ينكر في سلوكه طريقاً جديداً للبحث، حذا فيه حذو العلماء الغربيين، قبل أن يخلص إلى أن غرض طه حسين، لم يكن الطعن والتعدي على الدين، وحيث إن القصد الجنائي غير متوفر، فلذلك قرر المدعي العمومي حفظ الدعوى، وعدم إحالتها إلى القضاء.
للحديث تتمة
جابر عصفور رجل التنوير – بقلم د. حسن مدن – جريدة الخليج
العويس الثقافية