يوحي عنوان هذا الكتاب المزيّن بالرسوم والصور بأنه حكاية للصغار. لكن «تيتا وبابتشا» الصادر عن دار البلسم في القاهرة يصلح لكل الأعمار. إنه رحلات في وصفات الجدات. كتبتها ميراندا بشارة ورسمتها هبة خليفة. وعلى الغلاف، أيضاً، رسوم لإبريق شاي ومرطبان وتفاحة.
تروي ميراندا حكاية لطيفة خفيفة تجيب فيها عن أسئلة ابنتها فرح التي تكبر في المهجر، بعيداً عن مصر وطن والدتها، وسوريا وطن أبيها. كانت فرح تطرح أسئلة كثيرة عن عائلتها متعددة الأصول والعقائد والثقافات. من هنا جاءت فكرة الكتاب كعمل توثيقي حميم قامت به الأم والابنة سوية، بالتواصل مع الجيل الأكبر من نساء العائلة.
تعيش فرح حالياً في فرنسا. وغالباً ما تقع في مأزق حين يطرحون عليها السؤال التقليدي: «من أي بلد أنت؟». فهي مولودة في القاهرة من أم مصرية وأب سوري ولها ثلاث جدات: تيتا عايدة جدة والدتها، و«بابتشا» مونيكا جدتها البولندية التي تزوجها جدها أثناء الدراسة، والثالثة هي عفاف جدتها لأبيها.
نطالع شجرة العائلة وصوراً عائلية بالأسود والأبيض لأعراس ماضية، اشتغلت عليها الرسامة بألوان بعثت فيها البهجة. منها صورة العروس الشابة عايدة المولودة سنة 1927 في مركز ميت غمر بالدقهلية. إنها تحمل في يدها مروحة كبيرة من ريش النعام الأبيض بدل باقة الورد التقليدية. انتقلت بعد الزواج إلى كفر الشيخ بسبب عمل الزوج ووضعت خمسة أطفال. تعلمت في الريف كيف تطبخ الأكل الفلاحي وكيف تحلب الجاموسة. ويورد الكتاب وصفات لكل أكلة من أطايب الجدات الثلاث.
ومن الدقهلية إلى قرية لبستوف في بولندا، حيث ولدت بابتشا مونيكا. كان أبوها حارساً للغابة، يوصلها إلى المدرسة على حصانه فتتباهى أمام أقرانها. لكن البنت لم تحب البقاء في القرية والزواج من فلاح تزرع معه البطاطس. ذهبت إلى العاصمة للدراسة واشتغلت في المساء بائعة تذاكر في صالة للسينما. وكان هناك شاب أسمر خفيف الظل يذهب كل أسبوع لمشاهدة الأفلام ويتكلم معها البولندية بلكنة غريبة. ثم عرفت أنه مصري في منحة دراسية ولديه أحلام سينمائية كبيرة. وقف ينتظرها أمام الصالة، ذات مساء، وبيده باقة ورد. وبعد سنتين تزوجا وانتقلت معه إلى بلده وأقاما في حي شبرا، مع والدته تيتا عايدة. أجادت مونيكا اللهجة القاهرية مثل بنات مصر وولدت طفلين. سمت البنت البكر ميراندا. كانت مؤمنة بزوجها وراهنت عليه مثلما يراهنون على الخيول. كسبت السباق وأصبح خيري بشارة مخرجاً لامعاً.
تيتا عفاف، حماة ميراندا، ولدت في حي الشريبيشات في دمشق وكان أبوها شاهبندر التجار. تلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة دوحة الأدب التي أسسها الاتحاد النسائي العربي وزارت مصر وهي طفلة لأن أحد أعمامها استقر هناك. تتذكر رحلتها بالقطار، عام 1946، من الشام إلى أم الدنيا مروراً بفلسطين. زاروا الأقارب في يافا وتمتعوا بطعم برتقالها. كبرت وزفت لابن عمها المقيم في القاهرة. كان زواجاً مرتباً منذ الولادة. وضعت ثلاثة أطفال ثم التفتت لنفسها. أخذت دروساً في البيانو وفي اللغة الفرنسية وكانت تتمنى دراسة الهندسة لتبني بيوتاً واسعة حسنة التهوية مثل تلك التي عرفتها في مسقط رأسها. لكن حفيدتها فرح ترى أن تيتا عفاف تصلح عالمة كيمياء. ففي مطبخها تصطف الدوارق والمساحيق والبذور وكأنها في مختبر. طباخة ماهرة تعتني بسفرتها. تؤمن أن العين تأكل قبل الفم.
تشير إحصائية رسمية إلى أن 12 ألفاً و589 مصرياً تزوجوا بأجنبيات في الفترة من 2013 و2017. وقبل ذلك التاريخ وبعده آلاف. وما زال اختلاط الجدات مستمراً.
جريدة الشرق الأوسط