على هذا المقال وصلتني، يومها، تعليقات كثيرة من الأصدقاء، كانت من الكثرة والغنى، بحيث تأخذنا إلى تفاصيل ودقائق هذه التجربة المثيرة للفضول، والكثير من هذه التعليقات انطلق أصحابها من تجارب مرّوا بها أو يعرفونها عن كثب، ولو حاولت أن أعرض لها هنا، فسيلزمها أضعاف المساحة المتاحة، لكن لا باس من استعراض بعضها، استكمالاً للحديث نفسه.
الاستنتاج الذي نخرج به من الاطلاع على هذه التجارب هو أن تجليّات وآثار الغيبوبة تختلف من شخص لآخر كأنها تتعدد وتتنوع حسب تكوينات الأشخاص وطرق استجابتهم النفسية والجسدية، وطبيعة ذاكرتهم وحيزها المكاني، فعلى سبيل المثال، فإن طبيبة عراقية كتبت عن أن والدها دخل في غيبوبة بسبب جلطة قلبية، وحين استعاد القدرة على الكلام بعد رفع جهاز التنفس عنه، نظر إلى نهر دجلة الذي يطلّ عليه المستشفى في بغداد، وكان أول ما سأل عنه: «هل هذا نهر التايمز؟» لأنه كان مولعاً بلندن، وإليها يسافر مرتين في السنة. وحين أجابته ابنته إنه في بغداد وليس لندن، قال إنه يريد زيارة أمه، لأنه يسمعها تناديه، مع أن الأم متوفاة منذ خمسة عشر عاماً، وحين استعاد عافيته كاملة، أكدّ أنه لا يتذكر شيئاً مما قاله لحظتها.
معلمة فلسطينية تعيش في الإمارات قالت إنها شخصياً مرت بتجربة الغيبوبة، وكانت عاجزة عن التمييز ما إذا كانت حيّة أم ميتة، وما تذكره أنها رأت نفسها تمشي مسرعة في نفق، كانت تظنه نفقاً للمشاة في الشارقة، وقد لفّها ضباب شديد البياض، وفي آخر النفق ضوء خافت كأنه ضوء شمعة، وانتابها شعور بأنها تحررت من جسمها، حيث بدت خفيفة جداً وهادئة جداً.
للتذكير، فإن مارجريت داروس قالت إنها اثناء الغيبوبة كانت تعتقد أنها تتكلم، في حين أن شفتيها لم تكونا تتحركان، وكانت تشعر بالغضب، لأن لا أحد يجيبها عما تقوله أو تسأل عنه، بل إن غضبها يكون أشد حين تسمع أحدهم يقول: نعم، بينما هي تتوقع أن تكون الإجابة ب«لا»، واصفة غضبها هذا ب«الأبكم».
وفيما وصلني من تعليقات قال البعض إن الغضب الأبكم ليس مقتصراً على حالات الغيبوبة، وإنما الصحو أيضاً، أما زميلتي إنعام كجه جي فقالت: «الغضب الواعي عذاب».