الكثير من الكتّاب والعلماء يكتبون فتحيا ذكراهم، وتظل أسماؤهم حاضرة، رغم تعاقب السنوات والأجيال والقرون، لكن هنالك كثير من الكتّاب الذين لا يهمهم تخليد أسمائهم بقدر اهتمامهم باللقب الذي سيسبق أسماءهم، كالشاعر والكاتب والروائي.. إلخ.
هذا التساهل لدى بعض «الكتاّب» و«الشعراء» نلمسه ونجد صداه في كل معرض للكتاب، لكن ما يدعو للقلق والحسرة هو تهافت الجمهور على هؤلاء في حفلات توقيع كتبهم؛ إذ نرى الطوابير والزحام عند كل منصة يقف لديها هؤلاء، بينما لا يجد من يتلفت للأدب الحقيقي والشعر المميز إلا القلة التي لا تكفي لتكوين طابور واحد، يتألف من عشرة أشخاص.
كتّاب يكتبون في العام الواحد كتابين، أو أكثر، ويؤلفون الرواية على سبيل المثال من غير خبرة حياتية، أو علمية، أو بحثية، فيتساهلون في النشر لأنهم وجدوا دور النشر التجارية التي تشجعهم على تقديم هذا «الأدب» الخاوي الذي لا خبرة فيه، ولا لغة، وإن لامَهم لائم أجابوه بأنهم يبحثون عن الربح، وهذا النوع من الكتب هو المطلوب.
في المقابل، هناك أصوات شابة ما زالت تعنى بأدبها، وتبغي لأسمائها أن تكون ضمن قائمة الكتاّب الجادين، فتشتغل على أقلامها بصمت، وتكتب بعد بحث وعلم وتجربة، والكاتبة الشابة عفراء محمود من هؤلاء الذين لم يلتفتوا للسهل، بل فضلوا الحقيقي عليه، وهو ما سمعناه ولمسناه في إحدى فعاليات جناح مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حين تحدثت عن تجربتها في كتابة روايتها «بظل كبير»، ورحلة البحث التي سبقت الكتابة واستمرت لسنوات، ليظهر الكتاب بالمستوى الذي كتب فيه، وتجد هذا واضحاً من خلال حديثها أثناء الندوة التي أظهرت مدى ثقافتها في موضوع كتابها، فلم تكتب مجرد أحداث من غير علم، أو ثقافة.
هذه النوعية من الكتّاب هي من تبقى أسماؤها حاضرة، لأنها تحاول الحفر في الأماكن المهملة، وتلك المسكوت عنها، أو حتى المكشوفة بعلم وثقافة وبوجهة نظر تعرف كيف تعبّر عن نفسها من غير محاولة الدخول في الممنوع، أو الغامض، أو السهل الذي لا يحمل في جنباته إلا الحشو الفارغ رغبة في كسب مزيد من الجماهير.
بين الجاد والمطلوب – بقلم سوسن دهنيم