للمكان ذاكرة، ذاكرته الخاصة به، وتلك التي يرسمها في ذاكرتنا، زاوية زاوية، بكل ما تحمله من عبق وعطر وأحداث ووجوه. يجسد تاريخاً جمعياً، وآخر فردياً عصياً على النسيان.
هكذا تشعر وأنت تمر بأزقة كانت يوماً مأهولة بأهل المنطقة، بمن ولدوا وعاشوا وتربوا في الحي. بمن تركوا أصواتهم خلف الجدران، وصورهم خلف المرايا الصدئة الأطراف، وأرواحهم ترفرف في المكان.
دخلنا بيت البنات، فإذا بلافتة كبيرة تتحدث عن ذاكرة المكان تنتظرنا، ومن خلفها تدخل من أسسته بابتسامتها وطيبتها التي تذكرك بطيبة أهل المكان الأصليين.
ذلك هو متحف المرأة، أو بيت البنات الذي أسسته الدكتورة رفيعة غباش، التي آثرت أن تشتري بيتاً في منطقة سوق الذهب، وتموله وتعيد ترميمه، لتحافظ على ذاكرتها حية لا تزول، وليكون وجهة لكل من يريد أن يعرف تاريخ نساء الإمارات الحقيقي في كل مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية والاقتصادية.
آمنت الدكتورة رفيعة غباش بفكرتها، وخطت خطواتها بكل ثقة وحزم وإرادة وبجهود وتمويل فردي بمساعدة بعض الأصدقاء ممن آمنوا بالفكرة أيضاً، فاستطاعت افتتاح المتحف بشكل رسمي في العام 2012، ليضم اليوم ذكر أكثر من 300 امرأة إماراتية، من خلال أسمائهن وسيرهن ومقتنياتهن وصورهن وأكثر من ذلك.
المتحف عبارة عن زوايا وقاعات تضم مجالات الحياة المختلفة، فتلك الزاوية تتحدث عن نساء الإمارات سياسياً، وهذه تعليمياً، وتلك اقتصادياً، وهناك زاوية للحياة الاجتماعية واللبس والزينة والطيب والطب الشعبي، إضافة إلى القاعات التي بدت شامخة بسيرة من سميت بهن، تمر بقاعة عوشة بنت خليفة السويدي «فتاة العرب» فتجد نفسك في صحراء كتب الشعر على كثبانها ورمالها، يتوسطها معرض لبعض مقتنياتها وتسجيل لصوتها وهو يصدح بالشعر. وتمر بقاعة جاليري بيت البنات الأولى لتجد سيرة منيرة بنت أحمد بن سالم المزروع التي اشتهرت بتجبير الكسور وإصلاح البنادق والتصوير، ثم قاعة جاليري بيت البنات الثانية التي تضم معرضاً فنياً للفنان جمال عبد الرحيم مخصصاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو الذي كان مهتماً بتمكين المرأة.
لا يمكن اختزال هذا المكان في الكلمة دون المشاهدة، ولهذا أترك للقارئ توصية بزيارة المكان لينعم بتنشيط ذاكرته وليغوص في ذاكرة مكان جميل ونساء كنَّ مصدر فخر واعتزاز.
جريدة الخليج