يشتغل الشَّاعر والروائى على عطا بتؤدةٍ، يلحظها من يقرأ له، ويتابع مسيرته الشِّعرية والروائية، وربما ببطءٍ محبَّب له، لكنه يعمل بإتقانٍ ورضا، حيث يحفر كى يصل إلى نقطة العُمق الخفيَّة والقصيَّة فى الوقت نفسه، حتى درجة الغليان- الإقناع بالتمام أو الكمال، سواء فى الشِّعر (ثلاث مجموعات شعرية) أو فى السَّرد (روايتان).
وإن كان قد أصدر أعماله الشِّعرية الثلاثة فى ثلاثة عشر عامًا، فإنه فى ثلاث سنواتٍ فقط أصدر روايتيه (حافة الكوثر) و(زيارةٌ أخيرةٌ لأم كلثوم)، والثانية جاءت فى مائتى صفحة، عبر ثمانية وستين مشهدًا، وأظنه لن يتوقف، أو يتعثَّر مرةً ثانية، إذ صحَّح علاقته بالزمن، أو عقد صُلحًا معه بعد صراعٍ شخصيٍّ دام طويلا، وقد ظهر ذلك الصراع فى كتابته.
لقد رأى على عطا فى ذاته كشخصٍ، ومدينته المنصورة كمكانٍ وِعائيٍّ للنصِّ، سيرة لا تنتهى ولا تنفد أسطوريتها التى يخلقها الكاتب لأنَّ على عطا من الكُتَّاب أصحاب السَّعى والدَّأب، والبحث عن طريقٍ ومنهجٍ للكتابة والعيش فى ظلال الحرْف، كما أنه راءٍ عارفٌ، ولديه الجُرأة والمُغامرة التى يحسدها عليه الكثيرون ممن يعرفونه ويزاملونه ويصادقونه.
فهو حين يدخل حرم الكتابة، لا يرى أحدًا سوى قلمه وأوراقه، لا يهتم بالأصداء والأصوات، التى يمكن أن تحتجَّ أو تحتدَّ أو تعترض، فعلى عطا يعطى للكتابة- فقط- صوته وصُورته، حيث لا مكان ولا مكانة لأحد أعلى منها.
لا يهدر الشَّاعر والكاتب الروائى على عطا طاقته الفنية السَّاعية فيما لا يُسهِم أو لا يساعد فى بناء روايته، التى تتخذ الحنين والتذكُّر أسلوبًا لسرد أوجاع الذَّات وآلامها فى بوحٍ اعترافيٍّ يأخذُ شكل القطع الفسيفسائية، التى تتجمَّع معًا لتمثِّل فى النهاية صُورةً كليةً للأشياء القديمة والحاضرة فى آنٍ، وما يمكن أن يراه
المرء أسرارًا.
فعلى عطا يعترف داخل النصِّ بأنه يكتب: (لأجلو الأسرار القديمة فى طفولتى، ولتحديد هُويتى، ولأخلق أسطورتى الخاصة)، حيث يستدعى معارفه وخبراته وحياته بلا مُواربةٍ أو خوفٍ، والأحداث التى عايشها وعاصرها وشهد تقلباتها فى مدينته، التى وُلِد ودرس وتعلم وتربَّى فيها حتى إتمام المرحلة الثانوية.
يخلق ذاكرته التى لا يضيِّعُها، بل يستغلها أحسن الاستغلال فى تعميق رُؤاه، فهو دائم الإشارة إلى مدنٍ وشوارع ومدارس وأماكن وأسماء حقيقية أو مُستعارة، وكتب وكتاب، وجاءت هذه الإشارات فى سلاسةٍ
مُمتعةٍ وشائقةٍ.
فعلى عطا، القادم من (كتاب الشِّعر)، يعتمد البساطةَ العميقةَ أسلوبًا، ولذا جاءت لغة نصِّه السَّردى «زيارةٌ أخيرةٌ لأم كلثوم» دالَّة ومُوحية، فهو كاتبٌ موجِزٌ، ينزع إلى التكثيف والاقتصاد، لا يحبُّ الثرثرة والإطالة التى لا تفيدُ، بل إنها تفسد السَّرد، حيث يكتبُ- فقط- ما يحتاجُه النصُّ دون شرحٍ، مُشْرِكًا قارئه معه فى كتابةٍ أخرى أثناء التلقِّى.
المصري اليوم