المسلسلات الرمضانية! – بقلم طالب الرفاعي

طالب الرفاعي

ذكرياتي عن رمضان في طفولتي وصباي وشبابي، تختلف تماماً عن رمضان اليوم. فصوره كانت تكللها العبادة والسكينة وقراءة القرآن والتزاور والوصل بين الجيران، ومضاعفة العبادة والاعتكاف في العشر الأواخر، وأخيراً عادة “القرقيعان”. صور لأبي ممسكاً بالمصحف يقرأ بصوت متهدج، وصوري إلى جانبه ورجالات وشباب “فريج بورسلي” بانتظار أذان المغرب، وتأدية الصلاة في مسجد “المناعي”، وربما جاءت لاحقاً “فوازير” رمضان، ومقالب الممثل “فؤاد المهندس” في برنامج الكاميرا الخفية. لكن استحواذ التلفزيون على الحضور الأكبر من ساعات يوم رمضان، ربما تكرس خلال العقد الماضي، حين أصبحت التلفزيونات العربية تتسابق في تقديم المسلسلات الدرامية في شهر رمضان، بدءاً من الساعة الثانية ظهراً، وحتى ساعات الفجر. هذا التحول الكبير، بحضور التلفزيون الكبير في حياة كل أسرة، انحرف برمضان كثيراً عن شهر صوم وعبادة وصدقة ووصل للجيران والأهل، ليكون شهر سهر وسباق محموم لتقديم مسلسلات درامية وكل مسلسل بثلاثين حلقة.

إذا كنتُ أحد الذين يرون في رمضان صوماً للروح والجوارح، وأنه فرصة سنوية للإنسان لكي يهدأ قليلاً، ويستكين من رتم يومه اللاهث عملاً وقولاً، وبالتالي فرصة لكي يتخلص الجسد من كل السموم التي لحقت به طوال العام، وكذا فرصة للروح لخلوة هدوء وتعبّد؛ لذا فأنا لا أرى أي سبب مقنع باستباحة ساعات رمضان ليل نهار، بمسلسلات لحقت بها كلمة “رمضانية” جوراً، ورمضان بريء منها! إن المتابع لمسلسلات شهر رمضان لهذا العام، وأنا هنا أتكلم عن المسلسلات الكويتية، سواء المعروضة على شاشة تلفزيون الكويت، أو تلك التي ذهبت صوب شاشات عربية؛ فإن الملاحظة الأساسية هي أن عدداً منها استلهم التاريخ الكويتي، وإذا كان بعضها قد وفّق وأجاد بذلك، وقدم مشاهد رصينة وموحية ومشوِّقة، فإن البعض الآخر ذهب شططا بعيداً، وجار على الموروث الكويتي، وبشكل لا مبرر له، خصوصاً أن هذا الجور شمل البشر والحجر. وأعني بذلك أن المطّلع على عمارة البيت الكويتي، وكثيرون بيننا أطال الله بأعمارهم، يعرفون ذلك جيداً، فإن عمارة البيت الكويتي، تقوم على أن النافذة (الدريشة) تكون فقط لديوانية الرجال، أما البيت الكبير والخاص بالعائلة، فليس له نوافذ على الطريق (السكة)، حيث الحوش أو الأحواش في وسط البيت، ومكشوفة على السماء، تتوسطها بركة ماء، وربما كانت هناك شجرة سدر في زاوية ما. وعليه، فلا وجود لفتاة تفتح نافذة وتقف خلفها للحديث مع حبيبها، كما أنه من غير المسوّغ أبداً خروج فتاة لوحدها للذهاب إلى أي مكان لا في النهار ولا في الليل. ومؤكد أنه مرفوض تماماً وقوف امرأة في السوق أو في أي طريق للتحدث مع رجل غريب. علماً بأن عادات أهل الكويت كانت ترفض رفضاً قاطعاً أن تفتح الفتاة باب البيت كاشفة عن وجهها، فما بالك بالحديث مع رجل! ثم إذا ما عُرف عن بيت بأن فيه فتاة “تطلّ”، أي تخرج رأسها، من باب البيت للنظر إلى السكة أو متابعة أحد المارين، فإنه سرعان ما يُقال: “بيت فلان بنتهم طلالة”. وهذا يعني حكماً قاسياً بسوء أخلاقها، وهذا الحكم يسري عليها ويتعداها إلى أخواتها، فيقع عليهن ظلم هن بريئات منه.

افترض بكاتب القصة وتالياً كاتب السيناريو وأخيراً المخرج أنهم يُلمون تماماً بمادة المسلسل، وليس صعباً الرجوع لكتب التاريخ وللمؤرخين للتأكد من المعلومة، خصوصاً أن هذه المعلومة حينما تُعرض على شاشة التلفزيون فإنها تقدم وجهاً عن حياة أي بلد تتكلم عنه، وبالتالي تقديم معلومة خاطئة تتعدى المسلسل إلى سمعة البلد.

بقي أن أقول إن هناك مسلسلات، بزعم الفكاهة، لا أدري أبداً كيف سمح بعض الفنانين لأنفسهم بالقيام بأدوار التهريج الهابط فيها؟ وهي تحمل إساءة كبيرة لهم، وتحمل أيضاً سؤالاً كبيراً يبقى دون إجابة: كيف يسمح فنان لنفسه أن يظهر بمظهر المسخ؟

الجريدة