قد يصعب عليك أن تتجاهل هديل أنور، هذه الشابة السودانية البالغة من العمر 13 سنة، سواء التقيت بها شخصياً أو كالمتها هاتفياً.
فصوتها الجوهري وطلاقة لسانها وثقتها بنفسها هي بعض من الصفات التي تسحرك وتجعلك تتساءل كيف نجحت هديل، في سن مبكرة، على اكتساب كل هذه المهارات التي قد يقضي البعض عمراً طويلاً من دون اكتسابها.
لكنها فعلت بفضل شغفها بالقراءة، هي التي تقول إن قراءة العديد من الكتب جعلت عمرها يُقدّر بآلاف السنين.
هذا الشغف نما باكراً مع هديل التي تخبرنا «في البداية وفي المقام الأول، والداي هما اللذان دفعاني تجاه اللغة العربية والقراءة لأنهما كانا يقرآن بكثرة وهذا هو ما أعطاني شغف المقاومة والوصول حتى كنت بطلة تحدي القراءة العربي».
فبالفعل شغفٌ ترجمته هديل بالمشاركة بتحدي القراءة العربي لعام 2019.
فبدأ المشوار من محلية أم درمان إلى الفوز ببطولة السودان ما أهلّها إلى السفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ومنافسة 15 بطلاً ممثلين لدولهم العربية لتكون من المتأهلين الخمسة للنهائيات التي تمّ تنظيمها، في دار أوبرا دبي، في الـ 13 من نوفمبر الماضي لتتوّج، في النهاية، بطلة.
وكانت هديل قد أبهرت الجمهور الذي منحها النسبة الأعلى من التصويت لقدرتها العالية على التعبير عن أفكارها بطلاقة وبلغة عربية سليمة.
وعن هذا المشوار، تخبرنا هديل «استعديت للمشاركة في تحدي القراءة العربي استعداداً نفسياً لأنه كان لدي مخزون واف من المفردات اللغوية ومن الأفكار والعقليات التي سأقدّمها».
وكانت وصلت إلى دبي بعد قراءة نحو 50 كتاباً من أجل تحدي القراءة العربي، إلا أن عدد الكتب التي قرأتها خلال العام، كان وصل إلى 676.
وعلى الرغم من ثقتها الواضحة، لا تخفي أن الرحلة نحو النجاح كانت صعبة. وتكشف لنا «بالتأكيد كانت رحلة صعبة تحتوي على العديد من الصعوبات.
ولكن تعرفي بأبطال تحدي القراءة العربي مهّد وسهّل الطريق تماماً. فتعرفي على 15 بطلاً من 16 دولة عربية، يعتبر عائلة من كافة الوطن العربي».
كتب كثيرة قرأتها إلا أنها تعود معنا إلى أول ما قرأته وهو كان عبارة عن قصة قصيرة إضافة إلى مجلة ماجد.
وهنا تقول «المجلة أظن أنها مجلة هادفة جداً تسعى لغرس القراءة في نفوس الناس ويمكنك القول إنها غرست فيّ حب القراءة».
وتبقى كتب الكاتب الكويتي سعود السنعوسي الأكثر تأثيراً بها عادةً «لأنني أظن أن كتبه تمس قضايا ملموسة في المجتمع العربي، وهذا ما يجعلني أفضل كتاباته على الأخرى بقليل»، كما تشير هديل هي التي تعتبر أن القراءة هي سلاح قوي بيد العالم للانتقال من معالم الجهل إلى المعرفة.
وبما أنها دائماً تطمح للنجاح، كان من الطبيعي أن تقتبس لنا من كتاب «الخيميائي» للروائي باولو كويلو عبارة: «إذا رغبت في تحقيق أمر ما فإن العالم وقوى الطبيعة ستساعدك في تحقيقه».
وهنا تشرح لنا اختيار هذا المقتطف بالذات قائلة «لأنه يحفزك نحو النجاح ويدفع بك إلى التميز دوماً، كما أنه عميق جداً إذا غصنا في معانيه».
هديل أنور هي فتاة حالمة مبدعة تسعى للأمان في مجتمعها، وللسلام ولتعليم الأطفال، كما أنها تسعى لإخراج الجهل من نفوس الناس.
بهذه العبارة كانت هديل قد عرّفت عن نفسها في بداية حوارنا. عبارة ليست مجرد تعريف لا بل أن فوزها الأخير جعلها تعمل على تحقيق بعض ما قالته.
فتخبرنا، هي التي بلغ نصيب جائزتها نصف مليون درهم إماراتي «أنا حالياً في صدد إنشاء مكتبة هديل العامة لكي تكون القراءة متاحة لكافة أطفال السودان ولكي أوفر كتباً عظيمة من الممكن أن تنمي مجتمعاً جيداً وتبني السودان الدولة العظمى».
أما على الصعيد الشخصي، فلا شك أن هذه التجربة غيّرت بهديل أنور التي تبوح لنا «ما تغيّر بي هو زيادة طموحي وإصراري نحو الأفضل. فعندما تحقق نجاحاً كبيراً كل الناس تتوقع منك أفضل منه. ولذلك، علي أن أقدم نفسي بطريقة جيدة مرة أخرى وأثبت نفسي للمجتمع».
وخلافاً للعديد من أبناء جيلها لا تحلم هديل بدراسة تخصص واحد، بل تود دراسة الطب في جامعة أكسفورد في لندن لتعود وتدرس الإعلام في جامعة أبوظبي شارحةً «هذان هما المجالان اللذان إذا درستهما سأكون حققت أحلامي، بعدها أنتقل لتحقيق أهدافي».
تبقى هديل أنور مثالاً يحتذى به لكل أولاد وبنات العالم العربي للخروج من فقاعة مجتمعاتهم نحو العالم الخارجي بفضل القراءة.
وتتوجه إليهم قائلة «احلموا ولا تتوقفوا عن الحلم أبداً. فعندما نحلم نحوّل الأحلام إلى خطط. وعندما نحوّلها إلى خططٍ نسير عليها من الألف إلى الياء. بذلك، نبني شباباً عربياً قادراً ومستقلاً يستطيع أن يخرج أفكاره بسلاسة ووضوح».
* باحثة اجتماعية