العمل عن بعد ثورة سرّع فيها وباء كورونا – بقلم علي القاسم

علي القاسم
فايروس كورونا برهان على أن العالم الذي كان متسعا قد ضاق بفعل التكنولوجيا.

بعد عام أو عامين من اليوم، يصبح كورونا جزءا من الماضي، ومجرد ذكرى أليمة، إلا أن آثاره لن تزول بسهولة. في الواقع قد تبقى الندوب للأبد. العلاقات الدولية ستكتسب شكلا آخر، وكذلك العلاقات الاقتصادية.

اليوم نسمع تغيرا في نغمة خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهو بعد أن كرر في أكثر من مناسبة أن مصلحة الولايات المتحدة تأتي أولا، يصرح، فجأة، أنه مستعد للتعاون مع أية جهة لوصول إلى لقاح لفيروس كوفيد – 19.

أميركا لم تعد أولا؛ والعالم اكتشف بفعل الوباء أنه، رغم الخلافات، كينونة واحدة، وأن الخلافات التجارية والقيود على حرية تنقل الأفراد، كلها أمور ثانوية. هناك نسيج عنكبوت قوي يربط بين الدول، منها، وليس كلها، التهديدات الإرهابية، والأمن الغذاء، وحماية البيئة والطاقة.

انتشار فيروس كورونا، الذي انطلق من مدينة ووهان في الصين، ووصل خلال أيام قليلة إلى الولايات المتحدة، أكبر برهان على أن العالم، الذي كان في الماضي متسعا، قد ضاق بفعل التكنولوجيا.

قبل أن يرحل الوباء، سواء بفعل اكتساب البشر لمناعة القطيع، أو بفعل علاج أو لقاح مكتشف، ستكتب مئات الرسائل العلمية، وتنشر عشرات الكتب المتخصصة التي ستتصدى لتحليل النتائج المترتبة عليه.

في هذه الصفحة مقال يتحدث عن التكنولوجيا وكيف غيرت حياة المسنين، لقد ساهم الحجر المنزلي بتسريع استخدام وسائل الاتصال، من قبل المسنين الذين عانوا في الماضي من رهاب التكنولوجيا، واليوم كسروا حاجز الخوف، بعد أن علمهم الشباب كيف يستخدمونها، وأصبحت الانترنت وموقع التواصل والتسوق جزءا من حياتهم اليومية، والأهم أنهم بدؤوا يستمتعون اللعبة.

نظام العمل عن بعد أصبح يفرض نفسه بوصفه ضرورة من الضروريات الملحة، التي من الواجب تبنيها قصد مواكبة الثورة التكنولوجية

يقول، ماثيو آدم، المدير العام لشركة» وي آر ديجيتال» الاستشارية التي تعمل لحساب مصرف «لويدز» لمساعدة الزبائن المسنين على التكيف مع خدمات المصارف الإلكترونية، إن الإقصاء الرقمي الذي كان حتى وقت قريب مشكلة صارخة، لم يعد كذلك بفعل الحاجة.

ويلفت آدم إلى أن الخبثاء سيذهبون إلى القول إن المصارف وغيرها من الشركات ستستغل الظرف لتسريع إغلاق فروعها المحلية.

بالطبع هذا هو الاتجاه الذي كان يسلكه العالم قبل الوباء، منذ بضع سنوات في كثير من الدول، وطال المؤسسات الخاصة والعامة، إلا أن الجائحة سرعت وتيرته وقد تؤدي إلى تعميمه.

تقييم التجربة يحتاج إلى مسافة زمنية أطول، يتم خلالها تجميع ما يكفي من المعطيات، التي يجري على ضوئها إنجاز التقييم بمنهجية علمية.

في جميع الأحوال، فإن الخلاصة الأولى التي يمكن تسجيلها هي أن نظام العمل عن بعد أصبح يفرض نفسه بوصفه ضرورة من الضروريات الملحة، التي من الواجب تبنيها قصد مواكبة الثورة التكنولوجية. ولن نكون مغالين إن قلنا أن كل من يتخلف أو يترد باللحاق بهذا التبدل سيدفع ثمنا حضاريا غاليا.

رغم ذلك لا بد في المقابل من التساؤل عن الثمن الذي سيدفعه المجتمع بتبنيه خيار العمل عن بعد، ومدى تأثير ذلك على العلاقات الأسرية، وعلى الصحة النفسية والعقلية لأفراد.

صحيفة العرب