الروائي المدلّل – بقلم إنعام كجه جي : قال للناشر إن كتبه لا تشيخ بشكل جيد، يتمزق غلافها وتتفكك صفحاتها مع مرور الوقت، وهو يريد لها أن تبقى متينة وجميلة بين أيدي القراء وعلى رفوف مكتباتهم.وأجابه الناشر: «سمعاً وطاعة يا مسيو ويلبيك». من يرفض طلباً للكاتب للروائي الفرنسي الأكثر مبيعاً وترجمة في الخارج؟ قررت منشورات «فلاماريون» أن تنشئ سلسلة خاصةً لطبع وإعادة نشر روايات ميشيل ويلبيك، وهو ما لم يحصل مع كاتب من قبل. أغلفة فاخرة موحدة التصميم مع اختلاف لون كل كتاب. وورق من نوع فاخر وتجليد بالخياطة وطباعة في إيطاليا. بهذا يمكن للكتاب أن يعمر محتفظاً برونقه.
الحدث الأدبي لهذا الموسم في فرنسا هو صدور رواية جديدة لويلبيك بعنوان «إبادة». منذ يومين وهي في واجهة كل المكتبات. 736 صفحة بغلاف مقوى أبيض وأحمر. طبع منها الناشر وجبة أولى 300 ألف نسخة. وبحسب ما تسرب فإن الأحداث تجري خلال ولاية ثانية متخيلة للرئيس الحالي ماكرون. أحيطت صناعة الكتاب بالسرية التامة. كأنه سلاح جديد. لكن قرصانا نجح في الوصول إلى الرواية المرتقبة وظهرت فصول منها على الشبكة.
هناك نوع من الهستيريا يغلف كل ما يتعلق بويلبيك. أي زوبعة سيثير هذه المرة؟ روائي إشكالي (أي المشكلجي) تصدر رواياته من هنا وتلاحقه الدعاوى من هنا. احتجت عليه أوساط دينية لأنه يسخر من العقائد. وثارت ضده جمعيات مناهضة للعنصرية اتهمته بأنه يحث على الكراهية. يعاني من «الإسلاموفوبيا». ولم ينف التهمة لكنه اعترض على معناها. قال إنه لا يكره المسلمين بل يخافهم. يعرف أن الإرهابيين أقلية لكنها الأقلية الفاعلة. وفي روايته «خضوع» توقع أن يحكم مسلم فرنسا في انتخابات 2022.
لا يكتفي ويلبيك بكتابة الشعر والروايات. هو أيضاً ممثل ومخرج. يتدفق في الكتابة ويتلجلج عند الحديث. يبدو غريب الأطوار، يمارس نزقه مثل مراهق في الخامسة والستين. يزعم أن والدته زورت شهادة ميلاده ليدخل المدرسة قبل السن المقررة. كانت طبيبة درست الطب في الجزائر وتعتقد أن ابنها عبقري. انفصلت عن زوجها دليل الجبال وأرسلت الولد ليعيش مع جدته. الأب والأم والجدة ثلاثتهم شيوعيون. كان طالباً متفوقاً يتنقل بين التخصصات. درس الهندسة الزراعية والسينما واشتغل بالمعلوماتية. بدأ يكتب وبلغ الأربعين قبل أن يجد ناشراً يقبل به. تزوج وتطلق مرتين وأصابته الكآبة. كان يحلم بأن يعيش من الأدب. أن يشرك القراء في رؤيته السوداوية لمحنة الإنسان المعاصر، نفسياً واجتماعياً وسياسياً وجنسياً. قرر تغيير اسمه من ميشيل توما إلى ويلبيك، لقب جدته لأمه. اسم صعب القراءة، مؤلف من أحد عشر حرفاً تبدأ بالهاء الصامتة غير المنطوقة.
لم يعثر النقاد على أسلوب له. لكن كتاباته كانت مختلفة ولاذعة. وهو يرى أن الأسلوب لا يصنع الكاتب بل الموضوع. نال جائزة «غونكور» عام 2010 عن روايته «الخريطة والأرض». تعلم القراء والمترجمون لفظ اسمه. شخصية منطوية تثير الزوابع. روائي مدلل تحيطه الناشرة المعروفة تيريزا كريميسي برعايتها. وما أدراكم ما تيريزا؟ باقة ثقافات في امرأة. ولدت في الإسكندرية لأب إيطالي وأم إسبانية. جدتها لأمها هندية مولودة في بغداد. تركت مصر بعد حرب السويس وذهبت لتدرس الأدب في ميلانو. انتقلت إلى باريس وصارت مديرة في كبريات دور النشر. تشم النصوص الواعدة وتصطاد كُتّاباً مغمورين تطلقهم نجوماً في فضاء الأدب.
من هؤلاء ويلبيك، الكاتب اليميني سليل الشيوعيين الذي تزوج للمرة الثالثة شابة صينية وسكن الحي الصيني في باريس. نجم تطارده التهم.