من بين أهم وألمع الأصوات الروائية العربية في السنوات العشر الأخيرة؛ يبرز اسم الكاتبة السورية المقيمة بباريس مها حسن صاحبة التجارب الروائية المتميزة؛ «حبل سري» و«الراويات» و«طبول الحب».. وغيرها من الأعمال السردية التي وضعتها في الطبقة الأولى الممتازة من مبدعات ومبدعي الرواية العربية.. بمناسبة صدور روايتها الأخيرة «في بيت آن فرانك» عن منشورات المتوسط، تحدثت إلى (الاتحاد).
* ماذا تعني العربية لغة وثقافة لكاتبة سورية مرموقة ذات أصول كردية؟
– أشعر بالقلق الغامض أحياناً، هذا القلق الذي يعرفه الكتّاب، ويحللون مصدره أثناء الكتابة، فأعرف أن مشكلتي هي عدم رضاي عن جملة تؤرقني، وحين أعثر على عبارة أو لفظة، كانت غائبة عني، يبدو الأمر وكأن شعاعاً من ضوء مرّ في روحي، فأتحرر من القلق.. اللغة العربية بالنسبة لي، حقل اكتشاف دائم، يساعدني على معرفة المزيد عنّي، وعن الآخر.. حقل مليء بالثمار والفاكهة والجمال، ولا يزال مهما سرت فيه، بعيد المنال، وكلما خطوت متعمقة فيه، اكتشفت منبع الأمان.
تكاد تكون اللغة العربية بالنسبة لي، هي زجاجة الماء الصافية المنبعثة من ينابيع نقيّة. قد أشرب مياه الصنابير، أو مياهاً غازياً، حيث أتحدث وأكتب بلغات أخرى، غير العربية، لكن إحساسي صوب اللغة العربية، يبقى هو الأصفى والأكثر سلاسة وطمأنينة.
* حسنا. ماذا عن أحدث مشروعاتك الروائية؟
– روايتي الأخيرة «في بيت آن فرانك» استغرقت ثلاثة عشر عاماً حتى تمكنت من إظهارها إلى العلن.
كتبتُ النسخة الأولى، بعد انتهاء إقامتي في منزل آن فرانك في أمستردام/ هولندا، ثم تركتها، وعدت مراراً لمراجعة المخطوط الأول، وفي كل مرة كنت أشعر فيها بالهلع وأنا أتخيل الكتاب مطبوعاً. أريد الاعتراف، بأن استسهال الكتابة في العالم العربي عموماً، واختيار المواضيع الهادئة والرقيقة على الأغلب، جعلني أشعر دائماً بالقلق، ولأنني لا أرغب بالعزلة، فإنني أقوم بتأجيل مواضيعي الأكثر إشكالية، تلك التي أبدو فيها وكأنني كائن «دونكيشوتي» يحارب وحده كائنات خيالية، ليست خيالية أبداً في مشهدنا الثقافي، المليء بالنسخ والتكرار، واستلهام الماضي، والخوف من التجريب، والمغامرة الإبداعية.
* هل تحمل الرواية من مغامرات على مستوى الشكل؟
– إحدى معضلات هذه الرواية، هو تحديد جنسها الأدبي، حيث أشعر دائماً بأن كلمة «جنس أدبي» تقيّد الكتابة، وتحيلها إلى حالة أكاديمية مدرسية كسولة إلى حد ما. هذه الرواية، تتضمن بعض اليوميات، تقاطعاً مع كتاب اليوميات لآن فرانك، شريكتي في هذه التجربة، لكن كتابي ليس يوميات. لهذا أحياناً يتم الخلط بين فكرة الرواية التي هي النسبة لي، في هذه التجربة خاصة، وفي تجربة «عمتِ صباحًا أيتها الحرب» هي مزج بين الواقعي والخيالي، بحيث يصعب على القارئ أن يتأكد من مرجعية العمل، وأظن أنه ليس من الكاتب البرهنة على واقعية وصحّة ما وقع له في الكتاب، طالما أن العمل في النهاية، ليس وثيقة تاريخية، بل وثيقة إبداعية.
* لماذا «في بيت آن فرانك» ما الذي جمع بينك وبينها؟
– في هذه الرواية، جمعتُ بين روح آن فرانك التي أقمتُ في بيتها، وجسدي الذي تركتُ لآن فرانك تقيم فيه لاحقاً، لتطلّع على الحياة التي حصلت بعد موتها، وتعرف المزيد مما كانت تتمنى معرفته آنذاك. ربما من الأهداف السرية لهذا النوع من الكتابة، هو محاولة منح الخلود للكاتب الذي يموت، وتبقى روحه المبدعة القلقة تهيم في الحياة.
الرواية دعوة أيضاً لمراجعة تاريخ الحرب التي لا تزال تتكرر، والتي عاشتها آن فرانك من جهة، وأنا ككاتبة سورية من جهة أخرى، ورغم الفارق الزمني بين الحربين، لكن معاناة الشعوب وآلام الحرب واحدة.
جريدة الاتحاد