حين بدأ في كتابة روايته الأولى «المصابيح الزرق»، لم يكن له إلمام بنظرية الرواية وتقنيتها، وبتعبيره: «لقد خبصت دون دليل ولا مرشد»، فلم يكن حوله من يستشيره وليس في عائلته من يقرأ ويكتب غيره. ومع أنه قرأ في بداياته روايات جورجي زيدان، لكنه لم يهتم بالتاريخ مثله، ولم يستلهمه أو يتأثر به، وجاء هذا القول في معرض تفسيره لعدم قراءته ما كُتب من روايات سورية قبله. وفي الشرح أوضح أن ما يذكره من الأدب الروائي السوري قبله لا يتعدى نوعين اثنين: الرواية الرومانسية التي كتبها شكيب الجابري، التي رآها مينه بعيدة عن الجو المحلي والبيئة، والنوع الثاني من الرواية هو التاريخي الذي كان يكتبه معروف الأرناؤوط، وهذا النوع أيضاً لم يكن يعنيه فلم يقرأه.
اعتذر حنا مينه في الحوار الذي أجراه معه عبدالرزاق عيد عن هذا «الإهمال»، راداً إياه إلى كونه مغرماً منذ البداية بالحي، بالمدينة، بالبيئة وعنها كتب مجموعة من القصص القصيرة في صحف سورية ولبنانية، لكنه لم يحتفظ بها، وعدم الاحتفاظ بما نشره هو، أو ما نُشر عنه، عادة لازمته طوال حياته الأدبية، وعنها قال إنها «عادة قبيحة»، ناجمة عن إهماله، وعن جهله كيف تكون الأرشفة.
قال أيضاً إنه لم يسبق أن عاد إلى قراءة عمل له بعد طبعه، أو استمع إلى مقابلة إذاعية أُجريت معه، أو حضر فيلماً سينمائياً مأخوذاً عن إحدى رواياته، لأنه يعرف سلفاً شعور الاستياء الذي سيخرج به، لذلك قرر أن يوفر النكد على نفسه.
مينه الذي نفى أن يكون قد تأثر بسابقيه من روائيي سوريا، يؤمن بالمقابل بالمقولة الفلسفية اليونانية القديمة القائلة: «لا شيء يخرج من اللاشيء»، لذلك فهو يقرّ بتأثره بروايات نجيب محفوظ من الأدباء العرب وبمكسيم غوركي الذي كان، إضافة إلى إرنست همنغواي، الأقرب إليه من أدباء العالم، كما أنه أحبّ ديكنز وبلزاك وتوفيق الحكيم ورضوان الشهال.
الحلاق الذي صار روائياً – بقلم حسن مدن
جريدة الخليج