يرى مؤيدو التكنولوجيا أن قدرة الذكاء الاصطناعي على الاستحواذ على عملية الكتابة من أسهل الأمور التي يقبل الإنسان التخلي عنها، لأنه سوف يستفيد من ذلك، وستصبح الكتابة أكثر سلاسة، وسهولة، لكنهم يجهلون أنه وإن كان قد يسهل على الناس التحول إلى أدباء، لكنه سيضع الأدب نفسه في موقع الخطر مستقبلاً. أما المعارضون، وعلى الرغم من ثقتهم بأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد أصبحت قادرة على مساعدة الإنسان على الكتابة، حتى لو كان لا يتقنها إلى درجة قيامها باستكمال العبارات التي يبدأها والتفكير عنه في ما يصلح للكتابة، لكنهم يثقون بأن هذا لا يعني قدرتها على احتلال موقع عملية التفكير الإنساني كما يمكن للدماغ القيام به.
لقد تمكنت التكنولوجيا من مساعدتنا في تسهيل الكثير من الأمور المهمة في حياتنا، وقدمت لنا ما يلزم لدخولنا من بوابة المستقبل، ولكن، ولأن هناك فرق كبير بين العقل والذكاء فهذا يعني أنه يمكن أتمتة العقل، وبعض وظائفه، ولكن يستحيل أتمتة الذكاء، أي أنه يمكننا السماح للذكاء الاصطناعي بكتابة رسائل إدارية، أو إعلانية، مثلاً، ولكننا لا نستطيع الاعتماد عليه عندما يتطلب الأمر كتابة موضوع أدبي، أو تعبيري بحاجة إلى تفكير عميق.
وقد يساعد الذكاء الاصطناعي الأشخاص الذين بحاجة إلى كتابة رسائل لا تتطلب منهم التفكير العميق لاعتمادها على الحقائق التي تسير في خطوط مستقيمة ومباشرة، لكنه فكرة سيئة جداً لمن يرغبون في التعبير عن مشاعرهم، وكتابة مستخلصة من أعماق القلب، وتحتاج إلى التفكير بصياغة مواضيع ملهمة، أو مؤثرة، وإعادة قراءة العبارة المكتوبة والتفكير في صياغتها بشكل آخر، ومحوها وكتابتها مرة أخرى.
ولن يتمكن الذكاء الاصطناعي من مخاطبة روح القارئ، أو التواصل معه من القلب للقلب، وإلا، فما الحاجة إلى الإنسان، وما الذي سيتبقى له إن أصبحت التكنولوجيا قادرة على سلبه مشاعره، وقدرته على التخيل العميق؟
ومع هذا، ربما على الإنسان إعادة التفكير في هذه المواجهة الصعبة، فرغم أن الذكاء الاصطناعي لم يتمكن حتى الآن من الاستحواذ على الكثير مما يملكه الإنسان، وعلى وجه الخصوص التفكير العميق والذكاء، لكن هذا لا يعني أنه لن يتمكن من ذلك مستقبلاً، ولا يعني أنه لم يبدأ بشحذ مهاراته الكتابية من اليوم في ظل منافسة الشركات الكبرى على الصمود في وجه التحديات، والدخول إلى المضمار بتقنيات وتطبيقات جديدة، ومذهلة. وإن تخلى الإنسان عن الكثير من مهاراته، ولم يفكر في المنافسة المتوقعة، ولم يستمر في تدريب عقله واستخدامه، سيأتي اليوم الذي يحل فيه الذكاء الاصطناعي محله، ولن يعود أمامه سوى الندم، أو اللطم على الخدود، لأنه لم يعد يعثر لنفسه على مكان في غابة التقنيات والتطبيقات الممتدة.
جريدة الخليج