من بين النكت التي يتداولها كثير من الكُتاب، ما رواه لي أحد الأصدقاء، قصته الغريبة مع ناشره، فبعد سنتين من طباعة روايته التي فازت بجائزة عربية كبيرة، جعلت الكثيرين يطلبونها، تشجع الكاتب وسأل ناشره عن الطبعة التي وصل إليها كتابه الذي لم يتحرك عن الطبعة الأولى، وعن عدد المبيعات.
فتح الناشر أمامه كشف المبيعات بعد 24 ساعة فكانت 707 نسخ، سأل الكاتب مازحاً مبيناً للناشر أنه غير مقتنع بالرقم: 707 أم 7007.
طبعاً رقم 7 فوق العدد هو دليل دقة متناهية في الحساب، فأكد الناشر على الرقم 707 على مدى السنتين، ضحك الكاتب مرة أخرى، لأنه يعرف جيداً أن بلاده وحدها اشترت طبعة كاملة من الرواية، يعني 1000 نسخة، وأن المجموعات القرائية اشترت لأعضائها ما لا يقل عن 1000 نسخة منذ أن فازت الرواية بالجائزة العربية الكبيرة.
بينما وقّع في معارض الكتاب العربية، ما لا يقل عن 2000، وبالحساب البسيط الأدنى يكون الناشر قد باع من الرواية حوالي 5000 نسخة.
طبعاً، لا أتحدث عن الذين لا يعطون حقوقاً مطلقاً، فهؤلاء لا يزالون يظنون أنهم عندما ينشرون لك كأنهم قدموا لك خدمة يتحملون خساراتها الأكيدة، ولا عن الناشر الذي يطبع على حساب الكاتب، الذي زرع وهماً كبيراً في غير الموهوبين.
مقابل ذلك، لم ينسَ الناشر العربي أن يضع مادة في العقد تسمح له بتقاسم الجائزة مناصفة مع الكاتب، في حالة فوز الرواية بأي جائزة، شيء مضاد كلياً لقانون حقوق التأليف.
الناشر يقول إن الوضع العربي في حالة انهيار، وهذا انعكس سلباً على توزيع الكتاب وبيعه، وهذا أمر صحيح، ثم إن القرصنة أصبحت خطراً حقيقياً على الناشر والكاتب معاً، وهذا صحيح أيضاً، لكن من يسمع هذا التشكي يظن أنه لا يوجد في عالم المقروئية إلا القراء الذين يشترون من أكداس القرصنة، نعرف أيضاً مقابل هذه الحقيقة حقيقة أخرى، وهي أن النص القيّم يجد قراءه، ربما بصعوبة لأن المؤسسات المساعدة والدعاية لا تلعب دورها مطلقاً.
المؤسسة الإعلامية، بالخصوص الصحافة المتخصصة معدومة أو تكاد، والموجودة لا أثر لها على المبيعات، لا توجد جريدة وحيدة ذات قيمة تعطي مساحة حقيقية لنص من النصوص، لا يوجد ملحق يظهر النصوص المميزة لتسهيل المهمة على القارئ.
المؤسسة النقدية، على أهميتها، لا تزال رهينة النظريات التي يفترض أن يكون مكانها الندوات العلمية، والملتقيات المتخصصة، وليس الحياة العامة التي تحتاج إلى تبسيط قراءة العمل بدون تسطيحه.
ونصل إلى المأساة الكبيرة، دور النشر التي تصدر العديد من العناوين سنويّاً وبمناسبة المعارض، عاجزة عن متابعة كتاب واحد في سوق الكتاب بالإسناد والمتابعة الإشهارية كما تفعل دور النشر عالمياً؟ خارج هذا، لن تعود للناشر أي صفة نبيلة سوى كونه طابعاً بلا مغامرة، وتاجر ورق لا أكثر.
صحيفة الرؤية