أكثر من صديق من المهتمين بالأدب استوقفتهم الإشارة الواردة في مقالي عن الأديب المصري وديع فلسطين، حول تفريقه بين أدب الأمس وأدب اليوم، إلى ما أتت عليه سيرته من أنه عمل في مجلة «قافلة الزيت» الصادرة عن شركة «أرامكو» للنفط في السعودية، ونجح في تحويلها إلى مجلة تُعنى بالأدب، وتستطيع أن تُفرد له مكانة على صفحاتها، فاستكتب فيها أسماء مشهورة من أعلام الأدب مثل: عباس محمود العقاد، ومحمود تيمور، ومحمد منصور وسواهم.
هذه الإشارة ذكّرت هؤلاء الأصدقاء بأسماء أدبية عربية أخرى عملت في صحف صادرة عن شركات نفطية أو تعنى باقتصاد النفط، ومن هؤلاء، إضافة إلى وديع فلسطين نفسه، جبرا إبراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف، فعلى سبيل المثال، فإن جبرا عمل في مجلة «العاملون في النفط» العراقية، وبقي رئيساً لتحريرها حتى عام 1972 كما كتب لي الأديب العراقي عبدالأمير المجر، الذي أشار إلى أن جبرا طوّر هو الآخر هذه المجلة، كما فعل وديع فلسطين مع «قافلة الزيت»، ليتركا «بصمة في ذاكرة الثقافة الأدبية من خلال منبر غير أدبي».
صديق عراقي آخر هو برهان المفتي، الذي يعمل بدوره في شركة نفطية، تساءل في معرض تعليقه على مقالي المشار إليه: «هل العمل الحقلي في الصحراء شرارة خيال وإبداع؟».
سؤال جدير بالوقوف عنده، لكن مع ملاحظة أنه لا وديع فلسطين ولا جبرا عملا في الحقل النفطي في الصحراء أو في غير الصحراء، فعملهما كان صحفياً محضاً في صحيفتين صادرتين عن شركات نفطية، وبحكم موهبتهما وتكوينهما الأدبي أضفيا عليهما حضوراً أدبياً وثقافياً، لكن الإجابة عن السؤال أعلاه ستكون بالإيجاب في حال عبدالرحمن منيف بالذات، والسبب في ذلك أنه متخصص في اقتصادات النفط، فبعد أن أنهى دراسته الجامعية التي توزعت بين بغداد والقاهرة، قصد في عام 1958 يوغسلافيا، يوم كانت هناك يوغسلافيا موحدة، وأكمل دراسته العليا في جامعة بلغراد، ومنها نال درجة الدكتوراه في «اقتصاديات النفط: الأسعار والأسواق».
وحين استقرّ منيف في بغداد منتصف السبعينات الماضية تولى رئاسة تحرير مجلة «النفط والتنمية»، ليس فقط بصفته أديباً، وإنما بصفته خبيراً في شؤون النفط، والمؤكد أن منيف وظّف عدته المعرفية في الشأن النفطي في كتابة خماسيته الشهيرة «مدن الملح» التي تناول فيها الأثر المفصلي الذي تركه اكتشاف النفط في الجزيرة العربية.
الأدب والنفط – بقلم حسن مدن