فهمنا أن الست «كورونا» فرضت علينا أن نتعامل عبر الشاشة. نؤدي من خلالها واجباتنا الوظيفية ونستشير الطبيب ونزور أصدقاءنا ونرتاد الحفلات الموسيقية ونشتري حليب الأطفال ونوصي على صينية بقلاوة. لكن ما يصعب فهمه هو أن يدغدغك الحاسوب لتكركر في الضحك.
هذا ما يقترحه معرض طريف يستضيفه متحف الإنسان في باريس. معرض عن الضحك وعلم القهقهة. فالقهقهة علم مثل الطب والعَروض والفيزياء النووية. إن الوباء يثقل على البشرية منذ سنة. والقائمون على المتحف يحاولون التخفيف عن الزائر المنتظر. يقولون له: «اضحك عليها تنجلِ». ومن الآن وحتى تنجلي سيبقى الزوار افتراضيين، يتجولون عبر الشاشة ويتفرجون على المعروضات وهم جالسون في بيوتهم.
يقول الإعلان إنه مناسبة عائلية، يُستحسن القيام بالزيارة مع العيال من سن السادسة. نزهة مسلية رغم أن المعرض يقوم على أسس علمية رصينة، مع شيء من المزاح الذي لا يفسد للعلم قضية. إنه يستجوب خاصية الضحك في النوع البشري. لقد أثبت داروين أن الضحك مصدر لتماسك الجماعة، عرفته كل المجتمعات. وهو ملحوظ حتى لدى الحيوانات. فالإنسان ليس وحده الحيوان الضاحك كما كنا نتصور. وهناك صور وأفلام تثبت أن القردة والفئران تضحك مثلنا. لكن حذار من ابتسامة الليث إذا رأيت نيوبه بارزة.
لعل الضحك مفتاح الفرج. وفي حال انجلت الجائحة وتمكن الزائر من الذهاب بشحمه ولحمه إلى المعرض، سيجد في إحدى الصالات عرضاً ميدانياً لحقيقة أن الضحك يستجلب الضحك. أي أنه يُعدي. يضع الزائر سماعات على أذنيه ويستمع إلى أنواع من القهقهات المتسلسلة التي تستدرجه إلى الضحك حتى تدمع عيناه، مهما كانت حالته النفسية. ضحكات انفجارية أو عنقودية، مثل خطط التنمية أو القنابل الفتاكة.
وهناك في المعرض زاوية للدغدغة، أو الزغزغة. يجلس المواطن السعيد، أي البطران، على كرسي وثير ويغمض عينيه، ثم يفاجئه أحدهم بلمس فجوة أذنه بريشة طاووس، أو مداعبة خاصرته بلمسات خفيفة. ويكون الضحك ردة الفعل الطبيعية. وهنا يتحول الزائر نفسه إلى فرجة. أما من يرتاد المعرض افتراضياً، عبر الشاشة، فإن الدليل ينصحه بالخدمة الذاتية. أي أن يدغدغ نفسه بنفسه، مع رأي علمي مفاده أن الدغدغة الذاتية لا تثير الضحك بالقدر الذي تثيره أنامل الغير.
جاء في كتاب صدر حديثاً لأستاذة الفلسفة ماري فرنسواز ساليه، أن الابتسامة علامة انفعالية لافتة في الوجه. ترسمها الريشة وتلتقطها عدسة المصور وكاميرا المخرج. تلهم الشاعر وكاتب الأغاني: «يابو ضحكة جنان». وقد كان لها، في العصور القديمة، مغزى روحي وصوفي. ثم صارت لها وظيفة جمالية. وما بين ابتسامة بوذا وابتسامة الموناليزا حديث ذو شجون. واليوم صار أطباء الأسنان يغتنون من «ابتسامة هوليوود». يضحكون عليك لكي تضحك بنصاعة.
هل ضحكوا علينا عندما علمونا أن الضحك بلا سبب من قلة الأدب؟ تقرأ في الدليل أن الضحكات المتبادلة والقهقهات هي التعبير عن الحرية، وعن المشاعر الإيجابية. تشغل حيزاً مهماً من يوميات الإنسان وتفيد الصحة. لها دورها في العلاقات بين الناس في مختلف العصور والثقافات والطبقات. ما الذي يحدث في جسمك عندما تضحك وما أسباب تلك التقلصات العضلية والموجات الصوتية وانفراج المحيا؟ يقول العلماء إن الفرد يضحك ما معدله 18 مرة في اليوم. أي فرد يقصدون: الأوروبي أم العربي؟ ليت علماء متحف الإنسان في باريس قرأوا المتنبي: «لكنه ضحك كالبكا».
جريدة الشرق الاوسط