اختتمت مساء يوم الخميس 15 نوفمبر 2012 في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية الندوة الفكرية (قراءات في فكر خلدون النقيب) والتي استمرت لمدة يومين بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين الإماراتيين والعرب ، الذين تناولوا حياة وفكر النقيب الذي ساهم مساهمة كبيرة في الثقافة العربية المعاصرة. حيث عقدت جلستان شارك في الأولى كل من د.جابر عصفور و د. فيصل دراج وأدارها سعيد حمدان ، وشارك في الثانية د. باقر النجار و د. صالح هويدي وأدارها عبد الإله عبد القادر ، وقد قدم دراج ورقة بعنوان (جدل الاستبداد والتخلف في أعمال خلدون النقيب) أشار فيها أن خلدون النقيب ترك ملاحظات عن دور التراث في صياغة الحكم المستبد، لكنه آثر، في كتابه “الدولة التسلطية”، أن يتعامل مع المعطى التاريخي القابل للمعاينة، موحداً بين مظاهر التسلط المختلفة وطريقة الوصول إلى الحكم، التي أخذت في النصف الثاني من القرن العشرين أسلوب: الانقلاب العسكري. وإذا كان في المنهج الانقلابي، الذي يستمد شرعيته من القوة وحدها، ما يؤسس لنظام مستبد، فإن هذا التأسيس يظهر أكثر وضوحاً، لحظة الاقتراب من الأصول الاجتماعية للقوى العسكرية الانقلابية، التي ارتبطت، في معظمها بأصول غير مدينية، فقيرة في ثقافتها السياسية، وفي القيم اليومية التي تأخذ بها.
ثم قدم الدكتورجابر عصفـور بحثاً بعنوان (الدولـة التسلطيـة والتخلف) عرج فيها على كتابات النقيب المبكرة حول التسلط وأشار أيضاً إلى النقاشات الفكرية التي جرت بينمها طيلة سنوات. وفي الجلسة الثانية قدم الدكتور باقر النجار ورقة بعنوان (السياقات الفكرية والاجتماعية المشكلة لفكر خلدون النقيب) معرباً فيها عن اعتقاده أن البيئة الارستقراطية التي ينحدر منها خلدون النقيب، قد شكلت جزءا من شخصيته و طبيعته النخبوية.
فهو سليل عائلة النقيب، أشراف بغداد و البصرة. و البصرة في فترات نشأته و قبلها كانت على الدوام حاضرة الخليج العربي، و مركز التقاء الشمال: بغداد و ما يعلوها بالجنوب: الخليج و الجزيرة العربية و بلاد فارس.و قد لا يمثل هذا الالتقاء تماس جغرافي أو اتصال بشري فحسب، بغية منافع و تجارة، بقدر ما مثلت البصرة بحاضرتها مركزا لالتقاء الأفكار بالأعراق و المذاهب و الأديان قبل أن تكون مركزا لالتقاء البشر و تبادل المنافع. كما أنها بحالتها الحداثية و طابعا الحضري و قدم مؤسساتها و تعليمها قد مثلت مركز تأثير على سكانها تعاطت مع الأفكار و الأطروحات القومية و الاشتراكية، و تفاعلت مع حركات التحرر الوطني في الخليج و الوطن العربي. هذه الحركات المطالبة بالتخلص من الاستعمار الأجنبي في الأربعينيات و الخمسينيات. وفي ختام
الملتقى كشف الدكتور صالح هويدي في ورقة بعنوان (قراءات في الفكر الاجتماعي لخلدون النقيب) عن حقيقة قالها النقيب أن الرأسمالية المعولمة عامة(وليست الأمريكية وحدها) تغذي النزعة الاستهلاكية بين شعوب العالم الثالث، بدون أي اعتبار لقدرة هذه الشعوب على إنتاج ما يشبع حاجاتهم، وبدون اعتبار(إلا بشكل جزئي) لقدرتهم على شراء ما يستهلكونه.
ويرى أنه جانب من جوانب تأثير الدعاية والإعلان على خلق وتنمية هذه الحاجات التي تغرسها فينا في شكل حاجات متخيلة إيحائية وزجنا في عالم الاستهلاك المتعي المحموم، بعد أن دللت صناعة الثقافة في عصر العولمة على ظهور نظام عالمي للمعلومات والتواصل، تسيطر عليه الرأسمالية في طورها المعولم.
كما يفند الدعاوى القائلة إن انتشار وسائل الإعلام وثورة المعلومات سوف يؤدي إلى دمقرطة الثقافة، وإنها ستساعد على محو الأمية وعلى التنمية، مشيراً إلى أنها محض أوهام وأحلام لم تتحقق، لأن عدم التكافؤ في نظام العالم المعلوماتي الجديد هو صفة بنائية لازمة له، ومستقرة فيه. وقد لاقت الأوراق الأربعة نقاشاً واسعاً امتد نحو الربيع العربي ، والاستبداد والتسلط ، شارك فيها معظم الحاضرين. وقد أعلنت مؤسسة العويس الثقافية أنها ستطبع أوراق العمل في كتاب يوزع مجاناً على القراء ، نظراً لما تنضوي عليه تلك الأبحاث من أهمية كبيرة تفيد الباحثين والمتابعين.