ما أهون المنع الذي منهم بدا. ذاك لا شيء قياساً على ما لا يصدق من ضروب الإقصاء والإلغاء. في يونيو/ حزيران 2022 قرّرت وزارة الثقافة والإعلام الأوكرانية إعدام مئة مليون كتاب، نشر باللغة الروسية، أو تُرجم منها إلى الأوكرانية. سوء مصيرها أن تفرمها الفرّامة فرماً فرماً. من سار على الدرب وصل، فقد فرموا حتى الآن أحد عشر مليوناً من تسعة عشر هي أوّل الغيث ثم ينهمر الثرم والفرم.
الفرّامة صمّاء بكماء عمياء ولا هي تعقل، وإلاّ فبين تلك الأسفار نسخ ثمينة نفيسة، أهداها إلى المكتبة الأوكرانية أعلام الروس في جميع الميادين، من بينهم قمم في الأدب العالمي، أمثال تولستوي، دوستويفسكي، بوشكين.. بتوقيعاتهم.
مسؤولو الثقافة والإعلام هناك خانهم الذكاء في ميادين شتى. سياسيّاً ودبلوماسيّاً، برهنوا للروس على أن القطيعة لا رجعة فيها، لكن هذه العداوة ستظل على الدوام منقوصة، مع احتمال أن ترتد عليهم بما لا يشتهون، فقد استبْقوا من الكتب الروسية أعداداً لتكون مادّة لأهل البحوث والدراسات، حتى يعرفوا من خلالها ما تسميه وزارة الثقافة والإعلام الأوكرانية: «أصل الشرّ». يبقى على المشرفين على الثقافة والإعلام في كييف أن يحدّدوا المؤهلات الغرائبيّة التي يجب توافرها في الباحثين والنقاد والمثقفين، الذين يجرؤون على القول إن الأدب الروسي أصل الشرّ.
الأعجب هو أن يتمدّد أصل الشرّ فيشمل العالم، فهو لا يتعلّق بأوكرانيا وحدها. إذا كان المسؤولون أذكياء بما فيه الكفاية، فإنهم سيختارون لهذه التحقيقات أشخاصاً ذوي بلادة نفوسهم بغير جمال، لا يرون في الوجود شيئاً جميلاً، فإذا لم يفعلوا خاب سعيهم، لأنه من المحال أن يقرأ من روحه روضة ورد وينابيع نغم، روائع الأدب الروسي، ولا يقع متيّماً بها أو ينفي عنها فرادة الإبداع.
خانهم الذكاء الاقتصادي أيضاً. إذا طال الزمن أو قصر ستحط الحرب أوزارها، عندها لن يكون محالاً أن تشتري روسيا تلك الكتب، أو أن يبيعها الأوكرانيون في الاتحاد الروسي. أضعف الإيمان في الحلول الاقتصادية، إعادة التدوير بعد الفرم، فالأوراق كانت يوماً جذوع شجر، عندئذ تصلح حطباً للمواقد، أو جمراً لمشويات بنكهة تورجنييف، شولوخوف، تشيخوف، أمّا غوغول، فلا، لأنه أوكراني، ولو كتب بالروسية.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: مأساة الكتاب أن تكون الفرّامة هي المكتوب.
إعدام مئة مليون كتاب – بقلم عبداللطيف الزبيدي
جريدة الخليج