أَأَحبابَنا أُصليتُ في البحر بَعدَكُم
بِناري وَأَنتُم في رياض وَأَنهارِ
رمتني النَوى حَتّى ركبتُ مطيّةً
أَحاديثُها فيها غَرائِبُ أَسمارِ
إِذا السَهلُ أَوفى أَبطأت في مسيرِها
وتسرعُ في الأَمواج سيراً بأَوعارِ
وجاريَةٌ لكنّها تسترقُّ من
تَبَطَّنَ فيها من عَبيدٍ وَأَحرارِ
وَإِن رُحِلَت في البَطنِ تَمشي سَريعة
عَلى ظَهرِها فَاِسمَع عَجائِب أَخباري
ولا خَيرَ فيها غيرَ أَنّ نزيلَها
نَديمٌ لقرآن مديم لأذكارِ
وَأَعجبُ ما أَحكيهِ أَنّي مُسافِرٌ
مقيمٌ ولكن منزلي أَبَداً ساري
وَفي سفري لَم أَلقَ لي مِن مؤانِسٍ
سِوى الكُتبِ أَجلو الهَمَّ مِنها بأَسفارِ
أَبيتُ سَميرَ الأفق أَحسبُ أَنَّكُم
كَواكِبهُ حَتّى تعشّقتُ سَمّاري
وَفارقتُ أَنفاسَ الحَبيب وثغره
فَطال الدُجى من فقد صبحي وَأَسحاري
بَكى ناظِري بالدمع وَالدمِ وَالكَرى
فَمُذ نَفِدَت طُرّاً بكاكُم بأَنوارِ
فَما أَظلم الدنيا بعيني وَقَد نأت
ولاة غَرامي العاذِلون وَأَقماري
لَبِستُ ثياب الليل حُزناً عَلى اللقا
وَصرتُ لذيل الدمع أيّة جَرّارِ
وَما في ضَميري غَيركُم مذ فَقدتكُم
فَحذفُكمُ عَن مُقلَتي حَذفُ إِضمارِ
وَأَنتُم منى روحي وَهدي بصيرتي
وَتَنويرُ أَبصاري وَتَيسير إِعساري
نَزَلتُم بِقَلبي وَهوَ عَمّارُ حبّكم
فأَضرمتم دار الضيافة بالنارِ
ابن حجر العسقلاني
01371 ـ 1449)