ما أكثر دروس الجائحة التي تجتاح عالمنا. دروس قاسية، موجعة. فهل سيتعظ العالم، فيما لو أفلح في قهر الفيروس الذي يجول في العالم كالشبح؟
عن شبحٍ آخر تحدّث كارل ماركس في زمنه كان يجول أوروبا. وشتان ما بين الشبحين. كان الشبح الذي عناه ماركس معية صاحبه إنجلز يقضّ مضاجع أصحاب رؤوس الأموال، أما شبح «كوفيد – 19» فلا يأبه بمن يكون الهدف، غنياً أم فقيراً، أبيض أم ملوناً، امرأة أم رجلاً. لا حدود، ولا حواجز، ولا منصات جوازات سفر، ولا نقاط تفتيش جمركية تحول دونه.
وكالسهم الذي أصاب كعب أخيل في الأسطورة الإغريقية، يعرف الفيروس نقطة الضعف في الهدف، مهما علا مكانه. وما من أحد بمنجاة من سهامه، حتى رؤساء الدول، والحكومات، والجنرالات، والأثرياء. أمامه الكل سواء. لا فرق بين أفقر دولة في العالم، ولا أغناها. لا القنابل النووية ستجدي، ولا الصواريخ العابرة للقارات.
على العالم أن يفيق. ما جدوى هذا الهوس بالقوة، إذا كانت الدول المهووسة بها، لا تملك مستشفيات ومراكز صحية كافية، ولا عدداً كافياً من الأطباء والممرضين، ولا مخزوناً من الأدوية، والأهم نظاماً للرعاية الطبية، يجعل الصحة حقاً للجميع، لا للأثرياء وحدهم؟ حتى التأمين الصحي باهظ التكاليف لم يعد يجدي المشمولين به، فالأسرّة غير متوفرة، ولا أجهزة التنفس، ولا حتى الكمامات القماشية البسيطة.
ماذا عنّا نحن العرب؟ سؤال يوجع القلب. نحن اليوم أقل الأمم بطئاً في تعلم الدروس من مرير التجارب، هذا إذا كنا نتعلم أصلاً. أيعلّمنا «كوفيد – 19» ما عجزت حروبنا، وثوراتنا، وكوارثنا، عن تعليمنا إيّاه؟ واقع الحال لا يبعث على التفاؤل، لكن إذا استمرت الكارثة فقد تحين لحظة تعجز فيها الكثير من الدول عن توفير مستلزمات العيش الأساسية، ولن تتمكن الحكومات من دفع رواتب موظفي الدولة. هذا على الأقل ما يراه تقرير قرأته على موقع رصين، يبدو من السياق أن كاتبه عراقي، وهو يتحدث عن السيناريوهات الأسوأ التي تنتظر بلاده، منطلقاً من معطيات الأزمة الراهنة، وتبعاتها الكارثية على سوق النفط.
يرى كاتب التقرير أن استيراد الأغذية والأدوية قد يغدو غير ممكن، حتى ولو توفر المال اللازم لذلك، بسبب العراقيل المتزايدة أمام التجارة الدولية، وتوجّه الكثير من الدول إلى تخزين منتجاتها من الحبوب، والزيوت، والأغذية الأخرى، والأدوية، فهلا جرّبنا أن نعتمد على أنفسنا، ولو لمرة؟
جريدة الخليج