أكدت الدكتورة وفاء ثابت المزغني، رئيس المجلس العالمي لكتب اليافعين (تونس) أن الاهتمام بالكتابة للطفل في عالمنا العربي، ما زال يئن تحت وطأة الاستخفاف بهذا المجال سواء في طريقة تناوله، أو التعامل مع المتدخلين في صناعته من كتاب ورسامين وناشرين ومصممين. وقالت في حديثها لـ«الاتحاد»: «إنّ مبادرة تحدي القراءة جعلت معدل القراءة لدى الطفل العربي يرتفع والمنافسة تشتد بين الأطفال وتشجعهم على القراءة». ونصحت المزغني الشباب بأن يكتبوا للأطفال بشغف ودون حسابات ضيقة أو استسهال، وأن يبتعدوا عن الكتابة تحت الطلب.
وانتقدت الميزغني اعتقاد الكثيرين بسهولة الكتابة للأطفال؛ نظراً لقلة عدد الكلمات المعتمدة في النص وبساطة الحبكة وتوفر الرسومات المكمّلة، ولكنهم يتناسون أو ربما لا يدركون أنّ الكتابة بمعجم لغوي محدد يحترم الاستعدادات اللغوية والنفسية التي يتوجه إليها يتطلب الكثير من البحث والمعرفة ويتطلب فهماً لسيكولوجية الطفل ويحترم سنه وذكاءه وتطوّر وعيه ونضجه وحقوقه كطفل في الحصول على كتاب جيد. وترى الميزغني أنّ هذا الاستسهال هو الذي أغرق السوق بكتب رخيصة ورديئة الشكل والمحتوى وتشتمل على مضامين عدائية أو تحريضية أو إباحية يمكن أن نجدها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وسائل التسلية
واعترفت الميزغني بأنّ المقارنة بين الكتاب ووسائل التسلية الإلكترونية قد تبدو في غير صالح الكتاب، ولكنّ الأمل قائم في تحسن نوعية الكتب المعروضة للطفل وأيضاً في دور المحيط العالي لغرس عادة القراءة عند الأبناء، ومن المهم أن نراجع اليوم علاقتنا النمطية بالكتاب التي اختزلها البعض في الكتاب الورقي ونسعى إلى استغلال الوسائل المبتكرة المعتمدة على التقنيات الحديثة لتكون مصدراً لقراءاته وثراء معلوماته وتكون منسجمة مع طفل القرن الحادي والعشرين شكلاً ومضموناً.
ورأت الميزغني أنّ من الطرق الناجحة لتحفيز الكتابة للطفل تكثيف الفعاليات التي تتمحور حول كتاب الطفل، وبالخصوص تلك التي تهم التدريب وإدراجها في روزنامة منظمة لها أهداف ومراحل واضحة ومتدخلون مختصون، فبالإضافة للاهتمام بالكم من المهم أيضاً الاهتمام بالكيف، وتؤكّد في هذا السياق أنّ من التجارب الرائدة برنامج دبي الدولي للكتابة الخاص بأدب الطفل واليافعين تحت إشراف مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة الذي يسعى إلى خلق وتأطير جيل جديد من الكتاب. وتعتقد الميزغني بقيمة الجوائز ذات المصداقية التي تهتم بكل الفئات العمرية لهذه الفئة؛ فمبادرة مثل «تحدي القراءة» جعلت معدل القراءة لدى الطفل العربي يرتفع والمنافسة بين الأطفال تشتد.
وعن تجربتها الشخصية ككاتبة ومدربة في الكتابة ذكرت الميزغني أنها واجهت في الكتابة لليافعين صراعاً داخلياً بين ما تريده وما يريده القارئ وبين ما يريده الناشر والمجتمع، فمن خلال مشاركاتها في لجان تحكيم بعض المسابقات رأت كيف يتم استبعاد بعض القصص لأن محتواها على حد قولهم «جريء» أو لا يتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا، وهو ما يفتح المجال للطفل بأن يبحث عما يستهويه في وسائط أخرى بعيدة عن إشرافنا ومرافقتنا.
ورأت أنّ التجربة الأخيرة التي عشناها مع التباعد الجسدي تؤكد قيمة القراءة في الحفاظ على توازننا النفسي؛ ففي بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا والسويد عندما أقرت حكوماتها الحجر الصحي والتباعد الجسدي قام مواطنو هذه البلدان بالتزود بالكتب مثل التزود بالطعام والشراب؛ وهو ما أسهم في العلاج بالقراءة وتزويد الأطفال بشحنات إيجابية لمجابهة الإحباط النفسي الذي تسببه الجائحات والحروب والمشاكل الاجتماعيّة.
جريدة الشرق الاوسط