وداعاً زهدي الخطيب – بقلم إبراهيم محمد بوملحة

ملحة

رحم الله رحمة واسعة أستاذنا الفاضل أبا سمير زهدي الخطيب الذي كان ولا يزال ملء أسماعنا وأبصارنا ويسكن في قلوبنا، ولا تزال ذكراه حية في ذاكرتنا، فلا يمكن أن يذكر التعليم في دبي إلا ويذكر معه الأستاذ زهدي الخطيب معلم الأجيال في دبي والمشرف على التعليم فيها.

وقد قدم رحمه الله إلى دبي عام 1957م منتدباً من قبل حكومة الكويت صاحبة الأيادي البيضاء علينا إثر مغادرة المشرف السابق هاشم بوعمارة ورجوعه إلى الكويت وقد تولى الأستاذ زهدي منصبه بكل قدرة وبذل جهداً مضاعفاً في خدمة هذا المرفق والنهوض به، ويمكن لنا أن نعتبره رحمه الله مؤسس التعليم الحديث في دبي، وقد كان حريصاً على نجاح هذه التجربة التي بدأت في دبي بقدوم البعثة الكويتية والذي استلم الأستاذ زهدي مسؤوليتها بعد مغادرة سلفه الأستاذ هاشم بوعمارة، ومن حرصه على التعليم أنه كان يتابع العملية التعليمية بكل دقة وعناية وصدق وإخلاص .

وكان شديداً في إشرافه ومتابعته سواء على المدرسين أو الطلاب وإذا ما غاب أحد الطلاب عن المدرسة يأمر بالذهاب إليه وإحضاره من البيت وكان يتابعهم في كل مكان من أجل أن يوفروا وقتهم وجهدهم في تحصيل العلم وإذا ما رأى الطلاب زهدي قادماً ركضوا واختبأوا في السكيك بعيداً حتى لا يراهم وكانت له في ذلك شخصية صارمة وقوية، حيث كان يحترمه الجميع وكان جلّ وقته متواجداً بين المدرسين والطلبة في المدرسة الأحمدية وقت أن كانت المدرسة الوحيدة في دبي.

وكان هذا السلوك الصادر منه يعد تعبيراً حقيقياً عن مدى حرصه على إفادة الطلبة وتحصيلهم العلمي والنهوض بالعملية التربوية والتعليمية في البلاد إلى مستوى متقدم فكان رحمه الله يتميز بخصلتين مهمتين في هذا المجال السعي الدؤوب لتحصيل الطلبة وإفادتهم علمياً والأمر الثاني حرصه على تربيتهم تربية أخلاقية سليمة يضمن بموجبها النهوض بهم في هذا الشأن وكأنه أب لهم تماماً ولا شك أنه كذلك وهذا ما يشعر به أفراد ذلك الجيل من أبناء الزمن الجميل الذين يعتبرون الأستاذ زهدي أباً روحياً لهم تعليمياً وتربوياً.. وقد كان رحمه الله موضع ثقة كبيرة من حاكم البلاد وقتها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله .

حيث إن الشيخ راشد كان على ارتياح من سلوك الأستاذ زهدي وتصرفه الذي يسعى من خلاله إلى التنمية التعليمية المنشودة في دبي، وكان الشيخ راشد كثيراً ما يزور المدارس ويلتقي المعلمين والطلبة ويقف بنفسه على متطلبات الدراسة ويتعرف على آراء المعلمين وكانت صور معظم زياراته رحمه الله يوجد فيها بجانبه الأستاذ زهدي الخطيب، لقد أسس الأستاذ زهدي التعليم الحديث في دبي وأشرف وأضفى عليه أهمية كبيرة من خلال متابعته الحثيثة وتواجده الدائم في الميدان واهتمامه بتفاصيل التعليم ودقائقه بحيث كان يعبر عن أستاذية مطلقة في هذا الحقل في تلك المرحلة والظاهر أن الأستاذ زهدي كان على درجة كبيرة من الاستمتاع بعمله في ميدان التربية والتعليم إذ كان مهتماً به غاية الاهتمام محيطاً بجميع تفاصيل هذا الحقل الذي أعطاه من جهده وفكره ووقته وصحته الشيء الكثير.

ولكن رغم هذه الصفة الشديدة فيه شيئاً ما إلا أن الطلبة أحبوه وقدروه واحترموه إلى درجة كبيرة بحيث اعتبروه كالأب لهم الحريص على منفعتهم تلمس ذلك اليوم منهم حين يأتي ذكر الأستاذ زهدي أمامهم فتسمع آيات الثناء عليه والمدح له وتذكّر قصصه معهم بشيء من المتعة والفخر والتباهي.

وقد سعى رحمه الله منذ تسلمه مهام منصبه بالسعي حثيثاً لتوفير مبانٍ جديدة للتعليم نظراً لازدياد عدد الطلبة وعدم سعة المدرسة الأحمدية لهم فافتتح في البداية فرعين للمدرسة أحدهما بجانب البحر والثاني خلف المدرسة الأحمدية ثم افتتح المدرسة السعيدية نسبة إلى الشيخ سعيد بن مكتوم رحمه الله حاكم البلاد في بر دبي عام 1958م في قصره مكان الديوان القديم حالياً إضافة إلى أنه قام بجهد بالتواصل مع حاكم دبي رحمه الله الشيخ راشد بن سعيد وأخذ موافقته على بناء مدارس جديدة فنجح في فتح باب التبرع للناس لهذا الغرض السامي وبنى مدرسة الشعب ببر دبي وتزامن معها بناء ثانوية دبي في ديرة .

كما افتتح مدرستين للبنات إحداهما في بر دبي والثانية في ديرة، ويذكر أنه لقي صعوبة كبيرة في إقناع الأهالي بداية بإدخال بناتهم إلى الدراسة ولكنه نجح بعد ذلك نتيجة الدور الذي بذله في هذا الشأن وكانت تجربة ناجحة لتدريس البنات في دبي. وبذلك اعتبر الأستاذ زهدي هو الذي هيأ الفرصة لتدريس البنات في دبي .

حيث تحققت هذه التجربة على يديه وتلك من أسمى خدماته التعليمية وأفضاله على جيل البنات. ولقد أشرف الأستاذ زهدي على تعليم أكثر من جيل في دبي والنهوض بمسؤوليتهم بمنتهى الصدق والأمانة لأنه كان يعتبرهم كأبنائه تماماً، ويذكر لي الوالد رحمه الله محمد بوملحه بصفته كان مدرساً في ذلك الوقت أن زهدي كان له فضل على المدرسين وقتها، وقد كانت الرواتب ضعيفة جداً وسعى لدى الحاكم لزيادتها زيادة ملحوظة كما يذكر لي بأنه رتب له السفر إلى الكويت للعلاج وأسكنه بمقر البعثة التعليمية هناك مجاناً.

لقد كان جيلنا ومن قبله بقليل ومن بعده بقليل بمعنى ثلاثة أجيال أو أكثر يدينون بالفضل لأستاذهم زهدي الخطيب لما اتصف به تجاههم من حرص بالغ وأمانة على تعليمهم وتربيتهم فكانوا ولا يزالون يحفظون له هذا الاهتمام بهم من قبله ويقدرون ما بذله تجاههم طيلة تواجده على رأس البعثة التعليمية في دبي ومما كان يحسب للأستاذ زهدي أن المدارس في وقته كانت شعلة من النشاط والمشاركات الطلابية فكان هناك طابور الصباح أحد أساسيات العملية التعليمية بما يشغله من تحية العلم ونشيد الصباح والإذاعة المدرسية، كما كان هناك النشاط الكشفي والمسرحي والفني والمهرجانات والنشاط الرياضي بحيث كان لاعبو الأندية فيما بعد أصل تأهيلهم كان من خلال المدارس.

واستمر الأستاذ زهدي في دبي قرابة سبع أو ثماني سنين ولم تنقطع صلته بدبي وأهاليها وطلبتها بعد مغادرته فقد استمر الرجل يشكل محطة مهمة في حياتهم وذكرى طيبة في مخيلتهم ولم ينسوا خدماته وأفضاله على البلد والتعليم فيها،.

فكانوا يذكرونه بكل خير ويثنون عليه ثناءً عطراً كما أنه بذات القدر كانت تلك المرحلة بما فيها ومن فيها مطبوعة في ذهنه كأوضح ما تكون لم ينسَ شيئاً من تفاصيلها وما أجمل جلوسك معه حيث يكون أغلب الحديث فيه عن تلك المرحلة التعليمية في دبي والذي يحفظ رحمه الله دقائقها ووقائعها وأسماء المدرسين والطلبة وآباءهم وكثيراً من أخبارها يحكيها بشيء كبير من التلذذ والمتعة، وظلت صلته رحمه الله، بالبلد وطلبته قائمة إلى آخر أيام حياته رحمه الله لم تنقطع ولو للحظة..

وأذكره رحمه الله عندما كنت في زيارة عمل إلى المملكة الأردنية الهاشمية كيف كان يتواجد معي منذ الصباح وييسر لي متطلبات هذه الزيارات ويقوم بكثير من ذلك من منطلق حب صادق للبلد وأهله والمسؤولين فيه الذين كانوا في الماضي من طلبته وكيف يعتز ويفاخر بهم

واليوم وبعد رحيله رحمه الله يبقى زهدي يشكل في أذهاننا مرحلة مهمة من حياتنا نحن أبناء ذلك الجيل فنذكره ونتذكره كلما أتى الحديث عن التعليم في دبي فلا يمكن أن تذكر التعليم وتنسى الأستاذ زهدي لأنه كان أحد رموزه البارزين الذين لا يغيبون عن ذاكرتنا فرحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى.

جريدة البيان