بوفاة الروائي الكبير كارلوس لويس زافون Carlos Ruíz Zafón، في عز عطائه منذ أيام قليلة، يكون العالم اللغوي الإسباني والعالم بكل بساطة، قد فقد واحداً من أجمل وأبهى كتاب عصرنا، الذي صالح القراء مع الأساطير والعالم الطفولي المخفي في كل واحد منا، لدرجة أننا عندما نقرأه في العالم العربي، لا نشعر بأي غرابة، ونكاد نصرخ بكل قوانا: كم يشبهنا هذا الرجل! وكأننا في عالم ألف ليلة وليلة بكل سحره ورمزيته، وعالم الخرافات التي كنا نسمعها من الجدّات وننام عليها براحة حتى عندما تخيفنا! ففي مأساة عالمنا المعاصر في حربه التي تكاد تكون يائسة في مواجهة الدكتاتوريات التي تنمرت حتى أحرقت بلدانها، جعل زافون من المخيال الطفولي الحر عالمه الكتابي ورفض أي اعتداء عليه.
عرف كيف يسحر الملايين من قرائه الذين رفعوه إلى الدرجات العليا، وليس غريباً أن ينشئ بواسطة كتاباته، قارة من أكثر من 50 مليون قارئ.
ولد كارلوس رويث زافون عام 1964 في برشلونة، مدينة عظماء القرن الـ20 من الفنانين، كبيكاسو وميرو ودالي وغيرهم.
قضى طفولته كلها عند اليسوعيين حيث بدأت تتجلى موهبته، وسط عالم، بقدر ما هو ساحر بالنسبة لعين الطفل، فهو مخيف، كتب نصه الأول من خلال هذه العوالم، وعمره 14 عاماً، ثم خرج من دائرة النص الديني، وبدأ يشتغل في الإشهار واختبره وعرف آلياته عن قرب، وهي ما سيساعده لاحقاً في توصيل رواياته إلى قرائه.
قبل أن يترك تلك المهنة، ويتفرغ نهائياً للكتابة التي كان يشعر بأنها طريقه الأسمى، كتب أمير الضباب (1993) موجهة للشباب، عالمه الأثير الذي راهن عليه في بداية حياته الإبداعية، فحصل على جائزة أدب الشباب إيديبي المرموقة عام 2000.
كتب أيضاً «قصر منتصف الليل»، متوجهاً إلى الفئة العمرية ذاتها، قبل أن يتركها بدون أن يتخلى عن عوالمه الطفولية الساحرة، وينتقل إلى الكبار، من خلال روايته الكبيرة التي صنعت طريقه: ظل الريح (2001) التي حازت جائزة بلانيتا في 2004، لأفضل رواية أجنبية، عن الفترة الفرانكاوية التي لم تفلح في تخريب الروح الإسبانية العميقة، واعتبر ذلك هو الجزء الأول من سلسلة «مقبرة الكتب المنسية»، وتلتها لعبة الملاك، لتكتمل الثلاثية برواية سجين السماء (2012).
منذ تلك اللحظة عرفت رواياته انتشاراً عالمياً كبيراً، وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة تجاوزت الـ50 لغة، منها اللغة العربية، ما جعله يحتل رتبة مميزة، في التصنيف العالمي للإبداع.
أقام منذ 1993، حتى وفاته، في لوس أنجلوس متفرغاً لرواياته وكتابة السيناريو، في سنة 2009، صنف في الرتبة الخامسة للكتاب العالميين الأكثر مقروئية ومبيعاً.