نظرة مختلفة إلى المعلقات – بقلم عبد اللطيف الزبيدي

عبداللطيف-الزبيدي

كيف ظلت المعلقات، السبع أو العشر، هي المعايير والرموز والمعالم في كل تاريخ الشعر العربي؟ هي العقد الشعري الفريد الذي له مرجعيّة اكتسبها منذ العصر «التأسيسي»، واحتفظ بالكرسيّ على عادة السلطة عند العرب. قيمة المعلّقة ليست في صورها، لغتها، جمالياتها، تقنياتها الأسلوبية إلخ، قيمتها أوّلاً وآخراً هي أنها معلقة. قيل إنها كانت تكتب بماء الذهب وتعلّق على الكعبة. تعال أنت اليوم وحدّث البعض بأن هذا هراء رواه أفّاقون لفّاقون، وأنها مخترعات مختلقات. أيّ ساذج يصدّق أن يتبرع الناس بماء الذهب لكتابة أكثر من مئة بيت لمعلقة عمرو بن كلثوم على جدار الكعبة؟ خصوصاً: «تريك إذا دخلت على خلاءٍ». ثمّ هي تكتب على ماذا حتى تعلّق كلوحات؟ لمن يُساق هذا الحديث؟

من شاء فليصدّق، وليكذّب من أراد. لا بد من المرور على بعض المسامير. إذا كانت المعلقات تكتب، فلا شك في أنها كانت ترسم غير منقوطة بالأبجدية الآرامية (السريانية) وهي اثنان وعشرون حرفاً، على طريقة المصاحف الأولى. تخيّل نفسك تقرأ مئة بيت على جدار ارتفاعه خمسة عشر متراً، إذا كانت الكعبة في الجاهلية بمقاييسها اليوم. تحتاج إلى مئة سنة لقراءة معلقة عربية بالأبجدية الآرامية وبلا نقط. القرن قليل. أحد المتخصصين في هذه المتاهات قال: «إن بعض الكلمات العربية المكتوبة بالآرامية ومن دون تنقيط، يحتمل أحياناً ثلاثين قراءة». شغل شيفرة، ربما كان الحفظ المسبق يجعلها أيسر.القلم يسيء إلى المبحث حين يتناول هذه المفازات في عمود. المهم هو لفت الانتباه إلى أن التراث لا تزال دروبه شعاباً شائكة.

المحيّر هو: من أين اكتسبت المعلقات قوتها وسلطتها القيادية؟ شكلها سنّ قانوناً للقصيدة: الوقوف على الأطلال، الافتتاح بالغزل، حتى صار شوقي بعد خمسة عشر قرناً، وهو باشا له مروحة صينية من الأصول، يتغزل بغزال على القاع بين البان والعلم، أحل سفك دمه في الأشهر الحرم. بيئة الأندلس مختلفة جداً عن «ترى بعر الأرآم في عرصاتها..وقيعانها كأنه حبّ فلفلِ»، ولكن الانضباط بالقواعد الشكلية للمعلقات نماذجه لا تحصى. المتنبي طبّق قول إيليا: «ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت»، قال: «أمِن ازديارك في الدجى الرقباء».

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستتباعية: حيف أن يختتم القلم مبحثاً بديعاً بعبث كالرأي المتظاهر بالفصل.

جريدة الخليج