مطلع هذا الشهر احتفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بذكرى مرور 200 عام على رحيل القائد نابليون بونابرت، هذا الاحتفاء أثار الكثير من اللغط في فرنسا وفي أوروبا حول دور وقيمة نابليون، بين من رآه أحد عظماء التاريخ الفرنسي والأوروبي الحديث ومن رآه مجرماً أو سفاحاً لا يليق ذكره بإكبار ولا بالخير.
تاريخياً، نحن عرفنا نابليون، «صاري عسكر بونابرته» بتعبير عبدالرحمن الجبرتي، جاء مصر صيف عام 1798 غازياً وَمُحْتَلّاً، جاءنا على رأس حملة عسكرية ضخمة، أطلق عليها جيش الشرق لاحتلال مصر ثم تقدم نحو فلسطين، وارتد ثانية إلى مصر ومنها فر عائدًا إلى فرنسا.
لا أريد التوقف أمام نابليون في مصر، فما يعنيني منه اليوم، أن نابليون حين هبط الإسكندرية من البحر المتوسط كان مستوعباً لتجربة الحروب الصليبية، ففعل العكس، حيث حرص في بيانه الأول الذي وجهه باللغة العربية، على مخاطبة المصريين باعتباره مسلماً مثلهم، محباً للنبي الأكرم ومقدراً القرآن الكريم، وأنه ما جاء إلا ليحرر المصريين من ظلم باشوات المماليك وفسادهم المالي الذي أرهق مصر والمصريين، وحاول استرضاء المشايخ والعلماء ودخل معهم في حوار حول الإسلام ورغبته في اعتناق هذا الدين العظيم، كان حواراً شيقاً مليئاً بسذاجة مصطنعة أو ألاعيب نابليون، التي لم تكن تنتهي.
كزعمه أنه يود هو وأفراد جيشه اعتناق الإسلام، غير أن إصرار الدين على الختان قد يوقعه هو والجيش في مأزق، لكن ظل بعضهم على يقين أن نابليون كان مسلماً.
بغض النظر عن جزئية هل كان مسلماً أم لا؟ أسس نابليون قاعدة سار عليها المستعمر الأوروبي في المنطقة العربية كلها، وهي توظيف الدين سياسياً واستعماله غطاءً للمشروع السلطوي، وقد نقلوا هم تلك القاعدة إلى مؤسسي ما بات يعرف اليوم باسم الإسلام السياسي، وفعلت سلطات الاحتلال البريطاني ذلك بدهاء شديد مع حسن البنا وجماعته، منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي، والتقى دهاؤهم بانتهازية البنا، فاستعملوه لحسابهم وعمل هو بغضاضة لحسابهم ولحسابه أيضاً، والحق أنه لم يكن هناك أي تناقض بين الحسابين، حتى يومنا هذا ما زالت خيوط الاتصال قائمة بين الطرفين.
اتجه نابليون مباشرة إلى رجال الأزهر أو المؤسسة الدينية الأقوى والأكثر نفوذاً، لكن الإنجليز كانوا أكثر حذراً ودهاء فلم يكتفوا بالمحاولة مع علماء الأزهر الشريف، لكنهم قرروا اختلاق بديل لهم، بعد أن عجزوا عن تحقيق نجاح كبير معهم، هذا البديل لا يزال قائماً إلى اليوم، يمارسون الإرهاب ومحاولة تدمير الأوطان وإسقاط الدول.
صحيفة الرؤية