فازت الكاتبة الإماراتية ميسون صقر القاسمى المقيمة بالقاهرة بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابها «مقهى ريش عين على مصر» الصادر عن دار نهضة مصر وأثار الخبر حالة من البهجة يسهل تتبع معالمها على وسائل التواصل الاجتماعى.
لفت نظرى أن أول من هنأها بالفوز هو الروائى عزت القمحاوى الذى كان أقرب منافسيها على الجائزة بعمله الإبداعى الفاتن «غربة المنازل» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية.
استحقت ميسون صقر الفوز، واستحق القمحاوى التحية الحارة، لأنه رسخ تقاليد للمنافسة الراقية، وتمتع بروح رياضية عالية، مكنته من تجاوز عبء الخسارة للمرة الثانية.
بلغ القمحاوى القائمة القصيرة قبل ثلاثة أعوام، لكنه هنأ صديقنا الروائى السورى خليل صويلح على الفوز بالجائزة التى تحولت معه إلى ورطة ما بعدها ورطة، لأنها تأخذه فى كل مرة لمنافسة أقرب الاصدقاء، لكنه يبارك لمن فاز بنفس راضية رافعا شعار: «آدى الله وآدى حكمته»، مطمئنا لاستحقاق آخر سيأتى إليه.
والحال أن ميسون صقر لم تفز كذلك بسهولة، فقد تخطتها نفس الجائزة قبل 5 سنوات حين ترشحت بروايتها «فى فمى لؤلؤة» التى صدرت عن الدار المصرية اللبنانية وذهبت لتهنئة الصديق عباس بيضون الذى فاز عن روايته «خريف البراءة» الصادرة عن دار الساقى.
وهكذا تخطت ورطة المنافسة معه ومع صديق آخر هو رشيد الضعيف، وانتصرت للصداقة وإيمانها بالقيمة الإبداعية الكبيرة التى يمثلها بيضون.
لم يختلف سلوكها مع الفائز عما فعله القمحاوى مرتين، منتصرا لإيمانه بقيمة ما يكتبه وفرحه بما ينجزه غيره.
وبفضل هذه الأجواء التنافسية الراقية تتعزز مصداقية الجوائز، ويصبح الإعلان عن قوائمها مناسبة للفرح بالكتاب وبالكتابة والانتصار لحق القارئ وقد تحقق ذلك بجدارة فى حالة ميسون صقر، التى أبهج فوزها جميع الأصدقاء الذين يعرفونها عن قرب ويقدرون مكانتها الإبداعية وشغفها الدائم بالتجريب.
جاءت ميسون من فضاء ثقافى عائلى، فهى ابنة أب شاعر وسياسى معروف وطوال سنوات إقامتها الطويلة فى مصر مارست العديد من الفنون الإبداعية فإلى جانب الشعر الذى كان بطاقة تعريفها الأولى، كتبت روايتين نالتا الكثير من التقدير النقدى الذى عبرت عنه قامات كبيرة مثل الراحلين جابر عصفور وشاكر عبدالحميد.
وأنجزت كذلك العديد من الأفلام القصيرة، فضلا عن تجاربها التشكيلية المتميزة ومعارضها التى طافت عواصم عديدة.
وفى كل ممارساتها الابداعية اعتزت ميسون بانتسابهم لأسرة القاسمى الإماراتية العريقة وبانتمائها لفضاء عروبى قومى سعت إلى تجديد روابطه، وفى نفس الوقت شاركت فى تمثيل جيل إبداعى متميز داخل الإمارات العربية برز فى الثمانينيات وراهن على إنجاز الكثير من المهام الصعبة فى السعى نحو تحقيق شروط الحداثة الإبداعية فى الخليج العربى وبناء روابط وثيقة مع مراكز الثقافة العربية المتعددة.
ونجحت ميسون صقر فى أن تكون جزءا من تحولات المشهد الشعرى عربيا وأن تكون كذلك تمثيلا لحالة فريدة من حالات الارتباط بالثقافة المصرية وعشقها، فلا يمكن لقارئ كتابها الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب إلا أن يقرأه بوصفة «أنشودة محبة» لهذا البلد، تستند فيها لمعرفة عميقة بتاريخه، ومسعاه للتحديث وقد كتبت عن الكتاب فى مناسبة أخرى ناظرا إليه كتجربة ملهمة فى كتابة التاريخ الاجتماعى المصرى انطلاقا من تاريخ مقهى ريش الذى يمثل قيمة رمزية دالة.
ويبدو فى مساره أقرب لخط بيانى يشير لتجارب المثقفين المصريين مع النهضة، وهو أيضا كيان سحرى يمتزج فيه الحقيقى بما يضيفه الخيال، لكن ميسون صقر وهى فى حالة اكتشاف متواصل لا تقبل به فى إطار «اليوتوبيا المسرودة شفهيا» بل تعتنى بتقصى الوقائع وفحص الروايات المدونة حوله ثم تلجأ إلى جمع روايات شفاهية موازية، لينهض المكان معها من جديد فى وضعه الراهن ساعيا لمقاومة سطوة الغياب ومواجهة توحش لافت فى اغتصاب أجمل ما تبقى من إرث المدينة.
والأكيد أن فوز ميسون صقر بجائزة من بلدها الكريم عن كتاب بمثل هذه المواصفات التى تخص تاريخنا وثقافتنا، هو مناسبة لتأكيد محبتنا الغامرة لها، واعتزازنا الكبير بوجودها إلى جوارنا وسعيها الذى لا يتوقف لتجديد محبتها لمصر وهو أمر ليس بالقليل.
الشروق