ثلاثة فنانين تشكيليين حازوا شهرة عالمية في القرن العشرين، والثلاثة من إسبانيا: بابلو بيكاسو وخوان ميرو وسيلفادور دالي. واليوم، بمناسبة مرور 30 عاماً على رحيله، يقام في إمارة موناكو معرض كبير لأعمال دالي. ويقول مؤرخو الفنون إنه المظلوم بينهم، رغم أن لوحاته تباع بملايين الدولارات. لقد طغت شخصيته المستفزة على فنّه. كان غريب الأطوار وجعل من تلك الغرابة جواز مروره إلى عناوين الصحف. بل استثمر شاربيه الطويلين المعقوفين أقصى درجات الاستثمار. وكانت هناك امرأة تستثمره من وراء الستار، زوجته الروسية الأصل غالا. إنها الحبيبة والملهمة ومديرة الأعمال والمرأة التي رسمها طوال عمره الذي زاد على الثمانين عاماً. ولما ماتت غالا عاش من بعدها ضائعاً مثل طفل مفقود في السوق.
قبل دالي، كانت الشابة الروسية المغرمة بالأدب تعاني من السل. أرسلها أهلها إلى مصحٍ في دافوس، المدينة السويسرية التي أصبحت، فيما بعد، عنواناً لقمم الاقتصاد. وفي المصح التقت الشاعر بول إيلوار وأحبت فيه رهافة العاشق الفرنسي. ذهب الشاعر مجنداً في الحرب وانتظرته في باريس ليتزوجا. وباريس بعد الحرب كانت مهرجاناً من الفنون والثقافة، تدشّن ما سمّي بـ«السنوات المجنونة». وتشاء المصادفات المجنونة أن يذهب الزوجان لزيارة رسام شاب موهوب في فيغيراس، أقصى الشمال الشرقي لإسبانيا. كان اسمه دالي. والقصة بعد ذلك معروفة. وقع أسير حضورها اللطيف وشخصيتها الطاغية. انفصلت غالا عن زوجها الشاعر الفرنسي إيلوار وقطعت صلتها بعشيقها الرسام الألماني ماكس إرنست وتزوجت سيلفادور دالي مرتين؛ الأولى أمام القاضي والثانية بعد سنوات أمام الكاهن.
في ماربيا، المنتجع الأندلسي الذي صار الحديقة الخلفية للمقتدرين العرب، تنتصب منحوتة برونزية بعنوان «غالا في النافذة»، وهي واحدة من عشرات الأعمال التي استلهمها دالي من شريكة حياته. وبلغ من تعلقه بها أنه كان يجتهد في ابتكار الاشتقاقات من اسمها ويطلق عليها كل يوم لقباً مختلفاً. راح يوقّع بعض لوحاته باسميهما معاً. لكنها لم تؤمن بأن الحبيب العسل لا يؤكل كله. أرادت أن تلتهمه حتى آخر قطرة. وعندما أصابه مرض الرعاش، وهو في سبعينات عمره، جعلته يضع توقيعه على المئات من أوراق الرسم الكبيرة البيضاء البكر، ثم استعانت بمقلدين له لكي يطبعوا عليها نسخاً من رسوم يفترض أنها لدالي. إنها القضية التي ما زالت تشغل الخبراء المشتغلين بتدقيق اللوحات وإقرار أصليّتها. وقد فحص خبير فرنسي إحداها وكتب في تقريره: «التوقيع صحيح لكن اللوحة مزورة».
هل ظلمته غالا أم النزق وجنون العظمة والشاربان المعقوفان؟ دخل دالي التاريخ بأعمال سوريالية منها لوحة الساعات التي تترهل مثل خرق قديمة. وكانت تلك رؤيته الثاقبة للزمن، أو للكسل، أو للملل، أو لحماقة المواعيد. وحين احتفى به مركز بومبيدو في باريس، قبل سنوات، كان على زائر المعرض أن يمرّ تحت سيارة «سيتروين» بالحجم الطبيعي معلقة في السقف مع قطعة هائلة من المقانق التي اشتهر بها إقليم كاتالونيا، مسقط رأس الفنان. وكانت هناك ملعقة طولها 32 متراً تصب الماء الجاري في خزان تبريد محرك السيارة.
بعد موت غالا لم يتمكن دالي من مواصلة العيش وحيداً في منزلهما في فيغيراس. المكان الذي شهد صعقة الحب الأولى. انتقل إلى قصر إسباني قديم لكن حريقاً غامضاً شبّ فيه أعاده إلى البيت الأول. وهناك زاره الملك خوان كارلوس للوداع الأخير ومنحه لقباً نبيلاً «ماركيز دالي دي بوبول». ولما أغمض عينيه، مطلع 1989. نهب المتطفلون ثروته غير آبهين بشاربيه المفتولين.
قبل دالي، كانت الشابة الروسية المغرمة بالأدب تعاني من السل. أرسلها أهلها إلى مصحٍ في دافوس، المدينة السويسرية التي أصبحت، فيما بعد، عنواناً لقمم الاقتصاد. وفي المصح التقت الشاعر بول إيلوار وأحبت فيه رهافة العاشق الفرنسي. ذهب الشاعر مجنداً في الحرب وانتظرته في باريس ليتزوجا. وباريس بعد الحرب كانت مهرجاناً من الفنون والثقافة، تدشّن ما سمّي بـ«السنوات المجنونة». وتشاء المصادفات المجنونة أن يذهب الزوجان لزيارة رسام شاب موهوب في فيغيراس، أقصى الشمال الشرقي لإسبانيا. كان اسمه دالي. والقصة بعد ذلك معروفة. وقع أسير حضورها اللطيف وشخصيتها الطاغية. انفصلت غالا عن زوجها الشاعر الفرنسي إيلوار وقطعت صلتها بعشيقها الرسام الألماني ماكس إرنست وتزوجت سيلفادور دالي مرتين؛ الأولى أمام القاضي والثانية بعد سنوات أمام الكاهن.
في ماربيا، المنتجع الأندلسي الذي صار الحديقة الخلفية للمقتدرين العرب، تنتصب منحوتة برونزية بعنوان «غالا في النافذة»، وهي واحدة من عشرات الأعمال التي استلهمها دالي من شريكة حياته. وبلغ من تعلقه بها أنه كان يجتهد في ابتكار الاشتقاقات من اسمها ويطلق عليها كل يوم لقباً مختلفاً. راح يوقّع بعض لوحاته باسميهما معاً. لكنها لم تؤمن بأن الحبيب العسل لا يؤكل كله. أرادت أن تلتهمه حتى آخر قطرة. وعندما أصابه مرض الرعاش، وهو في سبعينات عمره، جعلته يضع توقيعه على المئات من أوراق الرسم الكبيرة البيضاء البكر، ثم استعانت بمقلدين له لكي يطبعوا عليها نسخاً من رسوم يفترض أنها لدالي. إنها القضية التي ما زالت تشغل الخبراء المشتغلين بتدقيق اللوحات وإقرار أصليّتها. وقد فحص خبير فرنسي إحداها وكتب في تقريره: «التوقيع صحيح لكن اللوحة مزورة».
هل ظلمته غالا أم النزق وجنون العظمة والشاربان المعقوفان؟ دخل دالي التاريخ بأعمال سوريالية منها لوحة الساعات التي تترهل مثل خرق قديمة. وكانت تلك رؤيته الثاقبة للزمن، أو للكسل، أو للملل، أو لحماقة المواعيد. وحين احتفى به مركز بومبيدو في باريس، قبل سنوات، كان على زائر المعرض أن يمرّ تحت سيارة «سيتروين» بالحجم الطبيعي معلقة في السقف مع قطعة هائلة من المقانق التي اشتهر بها إقليم كاتالونيا، مسقط رأس الفنان. وكانت هناك ملعقة طولها 32 متراً تصب الماء الجاري في خزان تبريد محرك السيارة.
بعد موت غالا لم يتمكن دالي من مواصلة العيش وحيداً في منزلهما في فيغيراس. المكان الذي شهد صعقة الحب الأولى. انتقل إلى قصر إسباني قديم لكن حريقاً غامضاً شبّ فيه أعاده إلى البيت الأول. وهناك زاره الملك خوان كارلوس للوداع الأخير ومنحه لقباً نبيلاً «ماركيز دالي دي بوبول». ولما أغمض عينيه، مطلع 1989. نهب المتطفلون ثروته غير آبهين بشاربيه المفتولين.