اعتبر أزمة «كورونا» فرصة لاكتشاف وتطوير الذات
دعا الفنان الإماراتي، مطر بن لاحج، إلى تعزيز حضور الفنون في المدارس، وتأهيل المعلمين لاكتشاف المواهب بين الطلبة وتشجيعها، وإطلاق أكاديميات مصغّرة للفنون تعمل وفق أنظمة ذكية، وتمثل مساحات لتبني المواهب، مقترحاً رسم ما سماه بـ«خرائط للفنون»، وأخرى للآداب، وثالثة للابتكارات والاختراعات في الدولة، وافتتاح مزيد من المواقع التي تنشر الفنون والثقافة في أنحاء الإمارات.
وكشف بن لاحج عن مشروعه الجديد، الذي يتمثل في إطلاق أكاديمية لتعليم الفنون التشكيلية، بعنوان «ذا أرتيست» أو الفنان، وتشمل كل مكان في الدولة، لأنها ستكون أكاديمية رقمية تعمل وفق نظم ذكية، وتهتم في المقام الأول بالمواهب الصغيرة. وأوضح بن لاحج، خلال المحاضرة التي قدمها أول من أمس، ضمن سلسلة المحاضرات التي تنظمها مؤسسة «بحر الثقافة»، عن بُعد، والتي كانت بعنوان «تجليات في العزلة»، أن الدراسة في الأكاديمية ستنقسم إلى قسمين: الأول يهتم بأصحاب الموهبة لتأهيلهم لدخول دائرة الاحتراف، والثاني لـ«المجاور» ويضم الذين يحبون الفنون ويقدم لهم دورات تطويرية أغلبها افتراضية، تعقبها فترة تدريب لمدة أسبوع في مقر الأكاديمية. في حين سيتم قبول الملتحقين بها بناء على اختبارات لقياس الموهبة مدتها 15 يوماً، وتراوح أعمار المشتركين بين 9 و12 سنة للمبتدئين، و12 سنة فما فوق للمرحلة المتقدمة.
أرجع بن لاحج اهتمامه بالمواهب الصغيرة إلى إيمانه بأهمية توفير منطقة حماية لها، مضيفاً: «كثيراً ما أرى طفلاً يمتلك موهبة لكن البيئة المحيطة به تقتل هذه الموهبة ببطء، كما أن المناهج الدراسية لا تتضمن جانباً لتقييم المواهب أو دعمها، حتى في المدارس التي توفر مناهج للفنون، نجد أن أغلب مدرسينا تربويون درسوا مواد نظرية، ولذلك المدرس بحاجة لإعادة تأهيل ليتمكن من اكتشاف المواهب ودعمها، وأنا نفسي عانيت الأمرّين من أجل الحصول على معلومة وكانت مصادري في تلك الفترة مجلة ملقاة على الأرض أو دعاية. وخلال الدراسة كان هناك مدرس يقلل من موهبتي، ورغم ما سببه لي من ألم، فإنه كان دافعاً لي للتحدي، والآن أصبح من الداعمين لي ولأعمالي».
ونوه بدور والديه في الاهتمام به، وتشجيعه للاستمرار في موهبته حتى مرحلة عمرية أكبر يمكنه فيها تطوير هذه الموهبة بنفسه، وهو ما سماه «ترحيل الموهبة».
وعي
تطرق مطر بن لاحج إلى كيفية الاستفادة من الوقت، في ظل الإجراءات الاحترازية التي صاحبت جائحة «كورونا»، من خلال تطوير الذات والقدرات والمواهب التي يمتلكها الإنسان، والانتهاء من الأعمال والمشروعات المؤجلة لديه، والبحث والقراءة في مختلف العلوم التي يمكن أن تسهم في تطويره، مثل قراءاته في الفيزياء، والتي مكنته من تنفيذ أعمال فنية لا يمكن تنفيذها من دون فهم ووعي بقواعد هذا العلم، كما في عمله «طاقة الكلام» المعروض بـ«قصر الوطن» في أبوظبي.
وأشار المبدع الإماراتي إلى أن الفن ليس تسلية، لكنه معرفة كاملة يحاول الفنان نشرها بين المحيطين به، والفنان الذي يرغب في الوصول إلى درجة الاحتراف عليه أن يوفر لنفسه أولاً الأدوات التي تمكنه من ذلك، وأن يسعى لتسويق فنه، ليس كسلعة تجارية، ولكن كمنتج يستحق، كذلك أن يستمع إلى الآخرين، ويستفيد منهم في مختلف المجالات، وأن يحاول النظر لنفسه بعيون الآخرين على اختلاف أعمارهم وتوجهاتهم.
وأكد أن النجاح والاحتراف يتطلبان «العمل ليل نهار، فهما تحدٍّ لا يمكن أن ينجح فيه الفنان من دون بحث وقراءة وشغف وصبر، والمرور بتجارب عدة قد تفشل مرة واثنين وثلاثاً، قبل أن يتحقق النجاح».
دوائر مهمة للجميع
رأى الفنان مطر بن لاحج أن الإنسان بحاجة لصنع دوائر افتراضية متداخلة لتنظيم حياته، أهمها الدائرة الأولى، وتسمى دائرة الأمان، وتضم الإنسان بمفرده مع كل ما يشعر بالشغف نحوه من موهبة أو اهتمامات، وتمثل مساحة لينفرد بذاته وأفكاره وخيالاته، ويعمل على تطويرها، أما الدائرة الثانية فتضم المقربين منه، في حين تمثل الثالثة دائرة الاتصال الاجتماعي والمعرفي الخارجي.
وأشار إلى أن هذه الحلقات أو الدوائر الافتراضية تعكس فلسفة نفسية، لفهم الذات وتطويرها، وهي مهمة للجميع، وليس للفنان فقط.
المناهج لا تتضمن جانباً لتقييم المواهب أو دعمها، وكثيراً ما أرى طفلاً يمتلك موهبة والبيئة المحيطة تقتلها.
الاحتراف يتطلب العمل ليل نهار، فهو تحدٍّ لا يمكن أن ينجح فيه الفنان، دون بحث وقراءة وشغف وصبر.
جريدة الامارات اليوم