هذا الحديث أتى في مبحث للكاتب بعنوان «مدن الحداثة» حواه كتاب «الحداثة» الذي اشترك في تحريره مع جيمس ماكفارلن وترجمه الى العربية مؤيد حسن فوزي، ونشر في بغداد في ثمانينات القرن الماضي.
المدن التي أورد الكاتب أسماءها كانت أكثر من مجرد أماكن للقاءات العابرة، فهي بيئة أنتجت جديد الفن والفكر، نتيجة للسجالات الفكرية التي سادت فيها وقتئذ، لأنها كانت، كما يذهب براديري، أماكن للفن والمعرفة والأفكار، وتوفرت على مناخات احتضنت كل ما هو جديد من تعقيد وتوتر حياة المدن، الذي ترتكز عليه، عادة، الكتابات الحديثة.
والترابط بين الأدب والمدن قائم دائماً، ففي الأخيرة نجد المؤسسات الأدبية الأساسية: المكتبات العامة، محال بيع الكتب، المطابع، الصحف والمجلات، المسارح، وفيها أيضاً نجد التجديد والنقاش وتدفق الزوار وضجيج اللغات، ويحضر هذا الفضاء المديني في أعمال عمالقة الكتابة: بودلير، ديستوفسكي، ديكنز، إليوت وسواهم، ففي أعمالهم نقرأ روح تلك المدن.
عربياً، ليس بالوسع تصور نشوء ثقافة منفتحة على الجديد والحداثة بدون دور المدن، وحتى لو نظرنا إلى تاريخنا البعيد لوجدنا أن الأدباء والمشتغلين بالعلوم والتأليف كانوا يشدّون الرحال من أطراف الدولة العربية الإسلامية إلى حواضرها الأدبية والدينية، في الحجاز ومصر وبلاد الشام وبغداد. وفي العصر الحديث، فإن مدناً مثل القاهرة والإسكندرية ودمشق وحلب وبيروت وبغداد وغيرها كانت حواضن النهضة الثقافية والأدبية الجديدة، وما يصح على حواضر المشرق العربي يصح على المدن في بلدان المغرب العربي والخليج العربي أيضاً.
خليجياً، فإن المدن – المرافئ المفتوحة على محيطها القريب، وحتى البعيد، كانت من جهة منافذ للترحال نحو عوالم جديدة، كالهند وشرق إفريقيا وفارس، وللتأثر بما فيها من ثقافات وفنون، وأيضاً لاستقبال أقوام وثقافات ولغات مختلفة، تفاعلت، عبر الزمن، مع المكوّن المحلي للثقافة، وأثرته بما هو جديد ومختلف مكونة لنسيج ثقافي فريد.
مدن الحداثة – حسن مدن
العويس الثقافية ، اصدارات العويس