يأتي حصول الروائي محمد جبريل على جائزة الدولة التقديرية في مصر، تتويجاً لمسيرة إبداعية تجاوزت الخمسين عاماً، فقد قدم جبريل للمكتبة الروائية والقصصية العربية أكثر من ستين مؤلفاً منها «الأسوار»، و«من أوراق أبي الطيب المتنبي»، و«قلعة الجبل»، و«الخليج»، و«زهرة الصباح»، و«راعية بحري»، و«الشاطئ الآخر»، وغيرها من الأعمال التي احتفى فيها بالمكان وتأكيد الهوية، بالإضافة إلى دوره البارز في الحركة الثقافية المصرية، من خلال تقديم عشرات المبدعين من مختلف الأجيال.. هنا حوار معه:
* كيف ترى حصولك على جائزة الدولة التقديرية؟
-ربما جاءت متأخرة بعض الشيء، لكنها في النهاية أتت، وهذا يؤكد أن من يزرع بذرة في أرض الإبداع لا بد في يوم ما سوف ينال حصادها.
* تهتم في معظم أعمالك بالشخصية المصرية، ما منطلقاتك في ذلك؟
– أنا مهتم بالشخصية المصرية منذ تفتح وعيي على الكتابة، وقد اهتممت في البداية بدراسة أبعاد الشخصية وتعمقت في ذلك، وقد ظهر ذلك واضحاً في كتابي «مصر في قصص كتابها المعاصرين»، الذي أردت درس الشخصية المصرية من خلال الأعمال السردية لمبدعيها، كانت رحلتي على الورق، عبر الإبداع السردي، بديلاً يناسبني شخصياً في أقل تقدير، وتكشف لي صورة المجتمع المصري بتعدد بيئاته، شيئاً فشيئاً المدينة والقرية والساحل والبادية وغيرها.
وليس في هذه الكتابات شبهة شوفينية، فالعروبة هويتي، والوطن الأشد رحابة هو الوطن العربي، وبالمناسبة أنا أحرص على هذه التسمية للمنطقة من المحيط إلى الخليج، أما البعد الإنساني فهو ما أتوق لبلوغه دوماً، باعتباره يهب الإبداع ديمومته واستمراره.
* يصف النقاد بعض أعمالك الروائية بأن بها ما يسمى الواقعية الصوفية.. كيف ترى هذا الوصف؟
– إذا كانت ظاهرة الواقعية السحرية في الكتابة مسمى لاتينياً، أداتها قوة الخيال وتكشف عن الأبعاد السحرية لواقعنا المعيش، فإنني وجدت هذه الظاهرة موجودة أيضاً في الأساطير والملاحم والحكايات العربية منذ أسطورة «إيزيس وأوزريس»، تواصلاً مع الملاحم الهلالية وعنترة بن شداد والظاهر بيبرس وحي بن يقظان وغيرها، وقد وجدت في «الواقعية الصوفية» تعبيراً موازياً للواقعية السحرية التي توصف بها إبداعات ماركيز وفارجاس يوسا وغيرهما وتجد في كثير من أعمالي هذه النزعة الصوفية.
تجاوز السائد
* هناك حالة من التجريب الدائم في رواياتك.. هل كل عمل يعتمد على شكل سردي مختلف عن الآخر؟
– تجاوزت في محاولاتي الروائية والقصصية تقليدية الحكي، فحين بدأت في كتابة «الأسوار»، اهتممت من الفنون الأخرى، كدرامية الحوار والكولاج كما في الفن التشكيلي، والهارموني الموسيقي، واستدعاء التراث «الفلاش باك»، وأعتقد أن تفاعل الرواية مع بقية الأنواع الإبداعية، ربما يشكل عملاً تجريبياً مغايراً للمألوف السردي.
* متى نرى الإنتاج الإبداعي العربي يأخذ مكانته الطبيعية في خريطة الإبداع العالمي؟
– نحن نقصر الإبداع العالمي على ما تنتجه أوروبا وأمريكا، والصورة الحقيقية تختلف عن ذلك تماماً، إن الإبداع العالمي في أعلى مستوياته نتابعه في إبداعات أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، وفي شرقنا العربي، لكننا ندين بأحادية النظرة، فما يأتي من الغرب وحده هو الذي يسر القلب، وقد استطاعت أمريكا اللاتينية أن تتخلص من طغيان المنتج الثقافي الأمريكي، ليس في الرواية والقصة القصيرة، فحسب، وإنما في السينما والمسرح والفن التشكيلي وغيرها من الفنون الإبداعية. نحن كعرب نملك ثقافة مميزة لها خصائص متنوعة، وهي ثقافة تؤثر في الثقافات الأخرى وتتأثر بها أيضاً. والحق فإن موضع الإبداعات العربية على خريطة الثقافة العالمية لا يجاوز بالنسبة للمبدعين العرب الطموح والأمنية، أما المكانة التي يستحقها بالفعل، فذلك ما يخضع لاعتبارات عديدة، في مقدمتها الاعتبارات السياسية؛ ويمكننا القول إن الخريطة الإبداعية العالمية تحتاج إلى التأمل والمناقشة، ومحاولة التوصل إلى الصورة الصادقة.
جريدة الخليج