أعتذر قطعاً لنزار قباني شاعرنا الكبير الراحل ولكل عشاقه – وهم كُثر – على هذا الاعتداء السافر على قصيدته الرائعة (رسالة من تحت الماء) بعد أن انتهكت التفعيلة، وخنقت القافية، ولكنْ للضرورة الصحافية أحياناً أحكام.
خاتمتي هي ما أعانيه حالياً وحتى إعلان النتائج يوم الجمعة المقبل في مهرجان (كان)، في دورته رقم (74)، حيث كان ينبغي لي، أو هكذا اعتقدت، أن أذهب كما تعودت طوال ثلاثة عقود من الزمان، صار بيني وبينه ارتباط شرطي. نعم هو الذي أخلف موعده في العام الماضي بسبب الملعونة (كورونا)، بيد أنه قرر هذا العام أن يتحداها، ويعقد المهرجان متأخراً شهرين عن موعده المعتاد، وهو النصف الأول من شهر مايو (أيار)، إلا أنه استخدم سلاحاً قاسياً وهو الاحتراز، إنه يشبه قميصاً واقياً من الرصاص، تجد مشقة في ارتدائه، ولكنك طالما قررت الخروج لمنطقة غير آمنة صار لزاماً عليك الالتزام، وأصبحنا كما يقولون بالعامية المصرية (ننفخ في الزبادي)، وباتت تُشكل الإجراءات عائقاً لأنها تسرق منا زمناً عزيزاً، وما أدراك ما الزمن في (كان)، حيث تتلاحق الأفلام، والفارق أحياناً بضع دقائق بين نهاية فيلم وبداية آخر، بينما المطلوب طبقاً للتعليمات أن توجد قبل العرض بنحو نصف الساعة.
أغلبنا لم يأخذ بعد جرعتي (الفاكسين)، والجزء الأكبر حصل على اللقاح الصيني، وهو حتى الآن غير معترف به في الاتحاد الأوروبي، برغم اعتراف منظمة الصحة العالمية، ولكن دائماً وأبداً للسياسة حسابات أخرى، سمحت الدولة الفرنسية لأراضيها بالدخول من دون حجْر لمن تلقى جرعة واحدة من لقاح معترف به أوروبياً، على شرط أن يكون قد تعافى مسبقاً من (كورونا)، وهو ما ينطبق على العبد لله، إلا أنها اشترطت إجراء مسحة (بي سي آر) كل 48 ساعة، وهي مجانية على حساب المهرجان، النسبة الكبرى من الإعلاميين والضيوف يحتاجون إليها، والنتيجة ترسل على الجوال بعد 6 ساعات كحد أدنى من إجرائها، ولا تستطيع دخول عدد كبير من القاعات قبل الحصول على شهادة البراءة من (كوفيد – 19).
تغير نمط التعاطي مع الأفلام، بالحجز المسبق وانتظار تذكرة بالإيميل، حيث تزداد مساحة الترقب وتمضي الدقائق كأنها ساعات.
تقلص عدد المتابعين، وتضاءل الاحتشاد الجماهيري أمام القاعات، وانتظار النجوم والشغف بهم لأن التجمعات غير مصرح بها، مثل القبلات بين النجوم والنجمات، على السجادة الحمراء التي باتت ممنوعة أيضاً. وعلى مستوى النقاد والصحافيين والإعلام العربي تحديداً، افتقدت أغلبهم هذا العام، وجودهم بالنسبة لي هو الذي يمنح المهرجان مذاق المهرجان.
مستوى الأفلام برغم تقلص الإنتاج السينمائي أراه جيداً، في كثير من السنوات قبل الجائحة كثيراً ما كنا نلاحظ تراجعاً في المستوى، هذه المرة وحتى كتابة هذه السطور يحظى المهرجان بتقدير جيد. ويبقى السؤال عن الجدوى، نعم لم نحقق الانتصار الحاسم على الجائحة ولكننا على الطريق، وعلينا وكل في موقعه أن يناضل.
المتعة تقلصت هذه حقيقة، ولكن سيظل رقم 74 في تاريخ (كان) يشير إلى دورة استثنائية، لا تُنسى، تمهد للعام المقبل حيث اليوبيل (الماسي) 75 عاماً، نعم لو أني أعرف خاتمتي ما كنت (تراجعت)!!
جريدة الشرق الأوسط