عن دار ذات السلاسل في الكويت، وبعدد (350 صفحة) من القطع المتوسط، أصدر الأديب الكويتي طالب الرفاعي كتابه الجديد ” لون الغد.. رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا” وإذا كان الرفاعي قد عُرف بكونه قاصاً وروائياً عربياً، وأستاذاً زائراً لتدريس مادة “الكتابة الإبداعية”، فإنه في إصداره الجديد يحاكي ويرصد ويوثق للفكر العربي، وذلك عبر الوقوف على رؤية وتوقع ثمانية وثمانين مفكراً ومبدعاً ومثقفاً عربياً، ينتمون لتسعة عشرة قطراً عربياً، عما سيكون عليه العالم بعد جائحة كورونا.
المفكر العالمي أمين معلوف قدّم للكتاب/الدراسة قائلاً: “من يقرأ التوقّعات والتأمّلات التي جمعها ونسّقها الأستاذ طالب الرفاعي في “لون الغد”، تتّضح أمامه صورة عالمنا كما ظهر فجأةً تحت مجهر الجائحة. عالَمٌ لم يعد يثق بالوعود ولا بالعقائد ولا بالقادة. عالمٌ قويّه هزيل، وعظيمه ضئيل، وثوابته زائفة. عالم عليل تائه، يبحث عن بدايةٍ جديدة تغيّر المسار، وتُصلح ما أفسده الماضي، وتُعيد كافة العدّادات اللعينة الى الصفر. أليْس أملنا جميعاً أن تكون وقفة كورونا مقدّمة لانطلاق عالمنا، أخيراً، نحو غدٍ مختلف؟”
وجّه الرفاعي سؤالاً محورياً للمشاركين في كتابه وهو: “أرى أن البشرية تجتاز منعطفاً تاريخياً للوقوف في وجه “كورونا”، وأن ما بعد كورونا سيكون عالماً مختلفاً عما كان قبله: السيادة العالمية، وشكل الاستعمار، والاقتصاد، وتنقّل البشر، والفكر والثقافة والإبداع. وأنا أعمل على مشروع للوقوف على تصور المبدع والمثقف العربي، للإجابة على السؤال التالي: اليوم الثلاثاء 24 مارس/آذار 2020، فكيف تتخيل يوم الأربعاء 24 مارس/آذار في العام القادم؟”
لقد داهم وباء كورونا العالم، وعرقل وشلَّ نبض الحياة بشكل لم يسبق للبشرية أن عرفته، حتى أثناء عيشها لحروبها الكونية. وعبر أربعة أقسام وخاتمة، يقف الرفاعي على بُعد، ليرى ما حلَّ بالعالم، وكيف ينظر ويقرأ القاص والروائي والشاعر والناشر والمثقف العربي، لحظة كونية تحفر مسارها، لتخطّ تاريخاً جديداً للبشرية، وتأتي بجديدها المعتاد “The New Normal”، والذي سيشكل مستقبل البشرية.
قسّم الرفاعي إجابات المشاركين إلى ثلاثة فئات: متفائلين بعدد 19 مشاركاً، ومتشائلين بعدد 45 مشاركاً، ومتشائمين بعدد 24 مشاركاَ، وبالوقوف أمام كل فئة يدوّن الرفاعي أهم الأفكار والرؤى والتوقعات التي دارت في ذهن المفكر والمبدع العربي، ويعقد صلةً بين ذلك وبين آراء وقراءات المفكرين والسياسين العالميين أمثال: هنري كسينجر، ونعوم تشومسكي، وتوماس فريدمان، ويوشكا فيشر، ويوفال هراري، ويربط ذلك كله بأهم المواقف التي جاءت على لسان الساسة العالميين أمثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. ليصل في المحصلة إلى ثلاث قضايا شكّلت الهم الأكبر والأساسي في تفكير المبدع والمفكر العربي وهي: أولاً، حال الإنسان العربي، ثانياً،السيادة العالمية، ثالثاً، الفكر والثقافة والإبداع.
يكتب طالب الرفاعي بواقعية وألم عن قسوة الظروف التي يحيا ويعمل بها المفكر والمبدع العربي، في مجتمعات لا تعرف الحرية، في أقطار تعيش تحت خط الفقر، مهدِّدة المبدع بعيشه وأفراد أسرته، مما يجبره على الهجرة، أو البقاء تحت نار التهديد اليومي المخيف. مدعماً ذلك بإحصائيات ودراسات عربية وعالمية. كما ويتناول الرفاعي علاقة المفكر والمبدع العربي بالإبداع والثقافة العالميين، وكيف أن الترجمات في معظمها ومند مطلع القرن العشرين جاءت بفكر وأدب الغرب إلى المنطقة العربية، دون أن تنبري أي جهة عربية، حكومية كانت أو أهلية إلى مد جسرٍ نحو الغرب، بترجمة الأعمال العربية الأهم. ليضع الرفاعي أمام المؤسسة العربية الأسس الواجب الأخذ بها للتواصل والوصل مع الآخر.
استنبط الرفاعي في دراسته الفكرية “لون الغد” تعبيرات ثقافية وسياسية جديدة على القاموس الثقافي والسياسي العربي، مثل المواطن المحلي/العالمي “المحعالمي”، وحالة التظاهر بالديمقراطية وممارسة الدكتاتورية ب “الديمقتاتورية”، كما وأشار إلى أن الإنسان بوصفه “كائن متلامس” في علاقته بما يحيط به، وأنه لا يمكنه العيش دون التواصل والاتصال بالآخر.
جمع الرفاعي، بحرفية عالية، أهم الأسماء العربية الفاعلة في المشهد الفكري والإبداعي والثقافي، ليضعها أمام مسؤولية تفكيرها في المستقبل، وليقدم للقارئ العربي والغربي دراسة معمّمقة عن نظرة العربي لما هو آت. تجدر الإشارة إلى أن الدراسة جاءت بمراجعة الدكتور نزار العاني، كما أن الرفاعي أصدر أكثر من عشرين مؤلَّفاً، وأن أعماله القصصية والروائية تُرجمت للإنكليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية والتركية والهندية.