من باب الفضول، غالباً، وضعتُ العبارة التي تقرأونها في العنوان في خانة البحث على «جوجل». طالعتني أشياء كثيرة ذات صلة، لكن لفت نظري أن العبارة ورادة في الكثير من النصوص الشعرية، إما على شكل عنوان لبعض القصائد، أو متضمنة في نشيج بعض النصوص.
على سبيل المثال وجدت العبارة عنواناً لنص للشاعرة إيمان الطنجي، نقرأ في إحدى فقراته التالي: «لا يعنيني/ ارتباك أوراق الشجر/ في ظل مداهمة الفصول/ حين شبح خيمتك الواقف/ غائب في الوجع/ يحصد أنجمي».
نص آخر يحمل نفس العنوان لشاعرة أيضاً، هي مرفت حمزة، تكاد صاحبتنا أن تقول فيه أيضاً إن لا شيء يعنيها سوى «أود لو أني/ أتساقط كورق خريف طويل/ لتحملني ريحك أنى تشاء/ تستريح هنا وهناك بموتنا العاجي».
وللشاعر السوري الراحل رياض الحسين نقرأ التالي: «لا شيء يعنيني هنا أنا العاشق السيئ الحظّ، المتأخر عن موعده دائماً، والواصل في غير موعده أو قبل موعده، أو أي شيء يجعل هذا القلب خَرِباً، ويرميه جانباً كحقيبة اليد».
يمكن لي أن أستطرد أكثر في إيراد نصوص مشابهة لشعراء عرب، لكن سأكتفي بما ذكرت، متسائلاً عن كثرة ورود العبارة في النصوص الشعرية أكثر من سواها، أتراها جملة تحمل شحنة شعرية لا يقاومها الشعراء، وأوشكت على الإجابة بنعم، لولا معرفتي بأن البعض قد يسأل، محقاً: هل هناك مفردات شعرية، وأخرى ليست كذلك؟ أليس الشاعر هو من يمنح المفردة المحايدة شحنة الشعر كي تتحول إلى شعر؟
لم يكن باعث فضولي في البحث عما يتصل بالمفردة شعرياً، أعني لم أكن في وارد أن أكتب شيئاً له علاقة بالشعر. الباعث آتٍ من عبارة وردت في بحث للمفكر الفلسطيني – الأمريكي هشام شرابي استخدم فيه العبارة نفسها، ولكن بدارجة بلاد الشام: «أنا ما بخصني»، أو «أنا ما دخلني»، ولست مطمئناً إلى أن المقابل لهذا التعبير العامي هو بالفصحى عبارة: «لا شيء يعنيني»، لكنها قريبة في المعنى منها.
غاية شرابي لم تكن شعرية أيضاً، وإنما كانت سوسيولوجية – فكرية، فهي وردت في سياق نقد ما يمكن أن نطلق عليه «اللا مبالاة»، التي لا تنم، بالضرورة، عن رغبة حقيقية لدى الناس بألا يكترثوا بما يدور حولهم، وأن ينصرفوا إلى أمورهم الخاصة، وإنما هي نتاج تربية مجتمعية صارمة تنمي الخوف لدى الفرد من أن يكون له رأي أو موقف تجاه ما يدور حوله من أحداث تخص وطنه ومجتمعه.
التعبير العامي الآخر الذي يعزز هذه التربية هو القول: «الزم الحيط»!
جريدة الخليج