«كورونا» لم يلطخ النشر العربي – بقلم طالب الرفاعي

طالب الرفاعي

يوم الأحد الماضي الموافق 28 يونيو، نشر الزميل لافي الشمري، على هذه الصفحة، تحقيقاً صحافياً بعنوان «هل ستغلق دور النشر الكويتية أبوابها؟»، وتحدث فيه أكثر من ناشر كويتي عما هو جارٍ الآن، وأشاروا إلى ما يتوقعونه في الفترة القادمة.

ولقد تلاقى ذلك مع نقاشي مع أكثر من صديق بين قاصٍّ وروائي وشاعر، عن رأيي في النشر خلال الأشهر القليلة القادمة، وكان آخر منْ تناقش معي بهذا الموضوع هو الصديق الناقد التونسي المُجوّد الدكتور عبدالدائم السلامي، وأنا لي رأي في النشر العربي قبل «كورونا»، وما سيكون عليه الوضع بعد «كورونا».

بداية، علينا أن نعترف أنهم قلة قليلة، وربما يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، أولئك الكتّاب العرب الذين يعيشون من مبيعات كتبهم، وبقول آخر: فإن أغلب الكتّاب العرب هم موظفون يعملون في مختلف المهن لتأمين عيشهم وعيش أسرهم، وهم إلى جانب ذلك يشتغلون بالأدب ولعاً وإيماناً بقدسيته قراءة وكتابة. مع ضرورة المصارحة بأن هناك عدداً كبيراً، وخصوصاً بين فئة الشباب، وهؤلاء ينشرون مقابل دفعهم لمبالغ مالية ليست بالهينة، وليست بمتناول كل راغِب في النشر. وهذا ما جعل من مهنة النشر في السنوات الأخيرة مجال ربح وتكسّب للكثيرين، وأضرَّ بشكل كبير بالكتاب العربي.

قبل «كورونا»، كان الكاتب العربي المرموق المعروف والذي تلقى كتبه رواجاً بين القراء العرب، يلاقي الكثير من الترحيب لدى دور النشر العربية، وهو في أفضل حالاته يتعاقد على ما نسبته (15%) من مبيعات الكتاب، ويُفترض بالناشر أن يوافيه بكشوفات مبيعاته كل ستة أشهر أو كل سنة على أبعد تقدير، لكن ما يؤسف له، هو أن الواقع الحاصل نادراً ما يطابق ذلك، وأن عدداً كبيراً من الكتّاب العرب لا يتقاضون عن أعمالهم الإبداعية سوى الفُتات، وبتفضل الناشر. وأنا هنا أتكلم عن الوضع السائد، وإذا كان أحد من الأخوة الناشرين العرب سيتحسس من هذا القول، فليس أقل من أن يثبت عكس ذلك. بقي القول إن بعض الكتّاب العرب، وهم الندرة، ونتيجة علاقاتهم بناشرهم، فإن بعضهم صار يتقاضى مبلغاً لا يتجاوز في أفضل حالاته ألفي دولار، وقد ينخفض إلى الألف، وهؤلاء جد فرحين بقدرتهم على انتزاع شيء من المال مقابل أعمالهم الإبداعية، وقبل أن يتم طباعتها.

لنأتِ الآن للمرحلة التي نعيش، وما سيَليها خلال الأشهر القليلة القادمة، والتي من المرجّح أن تستمر حتى نهاية العام الحالي، عام «كورونا»، ومنتصف العام القادم. فقد استطاع بعض الكتّاب العرب تحرير وإنهاء مواد إبداعية قديمة أو جديدة، وبالتالي أصبح لديهم كتب جاهزة للنشر، فهل الوقت مناسب للنشر؟ وهنا أضع رأيي المتواضع، بقول نعم، وذلك للأسباب التالية:

1 – لنفرض أن الكاتب سيطبع طبعة أولى بعدد (1000) نسخة، وأنه سيبيع لشريحتين من القراء: الأولى قارئ يعرفه ويحرص عليها، والأخرى لا يعرفه ولكن سمع عن كتاب جديد وأراد أن يشتريه.

2 – بالنسبة للشريحة الأولى، وتمثل قارئاً عربياً محترفاً وتربطه صلة وطيدة بالكتاب والكاتب والمعرفة، فإنه سيبحث عن الكتاب الجديد ويقتنيه، في كل وقت، وسواء كان ذلك بطريق مباشر، عبر شراء كتاب ورقي، أو بطريق غير مباشر عن طريق مواقع البيع الإلكترونية المنتشرة عبر الفضاء. وهذا يعني ببساطة أن أي كاتب عربي له قارئ يتابعه فإنه لن يفقد هذا القارئ، لا بـ «كورونا» ولا بغيره.

3 – القارئ الجديد، وهؤلاء قلة أيضاً فإن شراءهم للكتاب لن يكون كبيراً ومؤثراً.

4 – لأن وضع شراء الكتاب العربي في أساسه قليل، وهو يعتمد بالدرجة الأولى على معارض الكتب واسم الدار الناشرة، واسم الكاتب، فإن «كورونا: لم تفعل سوى أنها زادت، شيئاً ما، الطين بلة.

5 – كل الدراسات المنشورة، والتحقيقات الصحافية مع الناشرين تشير إلى أن البيع الإلكتروني العربي بخير، وأن فضلاً يعود لـ «كورونا» بتنشيطه.

6 – لذا فإذا كان لكاتب عربي كتاب جديد، ووجد ناشراً مقبلاً على نشر كتابه، فليس هناك ما يمنعه من النشر، وليبع الكاتب ما باع، فمصيره انتظار معارض الكتب، وهي قادمة، فصحيح أن ما بعد «كورونا» سيكون مختلفاً عما قبله، لكن الصحيح أيضا، أن «كورونا» أعجز من أن يوقف حياة الإنسان ونشاطه وأمله.

الجريدة