تطرح الكاتبة الإماراتية فاطمة الهديدي، جملة من المقترحات لتنشيط الساحة الثقافية المحلية، منها ضرورة التركيز على الأسابيع الثقافية الخارجية، وضرورة إيلاء الترجمة الأدبية مكانتها التي تستحق، والتوصية بلجنة متخصصة تفرز الأعمال وتقیّمها قبل ترجمتها، ومن المقترحات أيضاً، العمل على تحسين شروط الصحافة الثقافية، وضرورة استكتاب المبدعين الإماراتيين، وعدم الاكتفاء بكتاب من خارج الساحة الثقافیة المحلیة.
تقول الهديدي: «إن وزارة الثقافة في الدولة تؤدي أنشطة عدة ذات فاعلیة، وهي معروفة لدى المهتمین بالشأن الثقافي، لعل من أهمها احتضان الأقلام الشابة في بواكیر أعمالها الكتابیة، وطباعتها وتوزیعها، إلى جانب دعمها للمسرح والمسرحیین، فضلاً عن إقامتها للفعاليات الثقافیة المختلفة ، وإسهاماتها الفاعلة كإحیاء المناسبات الرسمیة في البلاد». وترى الهديدي أن هناك ضرورة للتركیز على الأسابیع الثقافیة الخارجیة، سواء كانت على هامش المعارض التي تشارك فیها الإمارات، أو التي تقام لعوامل مهمة أخرى، كالتعریف بالكتّاب الإماراتیین، وأن فعالیات كهذه تجسر العلاقة بیننا وبین الخارج ثقافیاً ومعرفیاً.
سؤال مكرر
وحول الساحة النقدیة وما إذا كانت تواكب الإبداع الإماراتي قالت الهديدي: «هذا السؤال یتكرر طرحه دائماً وباستمرار، وهذا يشي وكأن الساحة النقدية تبدو -لذلك- عرجاء، أو تعاني من علّة، والحقیقة أن الساحة الإبداعية لیست بذاك الزخم من الأعمال الثقافیة والأدبیة اللافتة، لا كمّاً ولا جودة، وعليه، فإنه من غیر الإنصاف اتهام النقد والنقاد بالتقصیر، ولكي لا أظلم، أقول: «الساحة الثقافیة والأدبیة في الإمارات حتى الآن ليست بذاك الإنتاج، إنما تبرز فیها، بین الحین والآخر، أعمال جیدة لكنها محدودة، فلا تساعد النقاد في الوصول إلى تصورات شاملة وأحكام نقدیة مجدية، فضلاً عن عامل المجاملة الذي تلمسه في بعض القراءات النقدیة لبعض الأعمال المحلیة».
وحول أهمية ترجمة الإبداع المحلي تقول الهديدي: «تعد الترجمة ركناً أساسیاً في أي عمل نهضوي، ودورها لا یقتصر على كونه جسراً بین ثقافتین، أو لغتین، إنما أبعد من ذلك؛ إذ تذهب إلى المثاقفة المعرفیة بمعناها الواسع، وهو الأمر المؤهل للمجتمعات البشریة لتتوافر على شروط التقدم والرقي، وبالتالي تصبح قادرة على تقدیم إضافة إلى الحضارة الإنسانیة».
وتضیف: «علینا أن نتفق بدایة على ما الذي یستحق الترجمة، وما یجب استبعاده، في المنتج الأدبي، شخصیاً قرأت بعض الأعمال المحلیة المتواضعة، وبعد فترة فوجئت بأنها كانت تحتاج إلى مزید من الدربة، وإلى حضور لشروط السردیة العربیة، ما يستوجب وجود لجنة متخصصة تفرز الأعمال وتقیّمها قبل ترجمتها التي تهدف أساساً إلى تعریف الآخر بنا».
وفي السياق نفسه تقول: «إن الترجمة خاصة عندما تتبناها مؤسسة رسمیة، فهي بمثابة فتح معرفي كبیر، من شأنه ضخ دم جدید ومختلف في المجتمعات البشریة، وتحدیداً في الفئة الذهنیة المتقدمة، وهم الكتاب والمثقفون؛ فأن تقرأ ما یشغل العالم في الراهن، في شتى المجالات، يعني أنك مواكب للعصر».
تجربة حديثة
وفي موضوع النشر، تقول الهديدي: «إن دور النشر الإماراتیة تقوم بدور كبیر وجید، لكن حداثة تجربتها، ترتب علیها أموراً قد لا تكون مقبولة، وربما تضر بالكاتب والناشر معاً؛ فمثلا لا تزال الدور العربیة عامة، وبینها الإماراتیة، تعتمد مبدأ الطباعة عند الطلب، أي لا تطبع من الكتاب كمیة لتوزیعها وبیعها كما هو مفترض، بل هي تطبع الكتاب بعدما تضمن المشتري، بمعنى ضمان أن یُطلب الكتاب و یُدفع سعره عندها تجري طباعته، ولا ینال الكاتب الذي اكتشف أنه تورط حينها، سوى الشعور بالأسى».
وتطالب الهديدي دور النشر المحلیة بضرورة تأسیس لجنة لتقییم المنتج قبل دفعه إلى المطبعة، وإلا سوف تصبح عرضة للخسارة. وعليه فإن أي دار تفكر في الربحية أولاً، سوف تسقط أولاً. وهذا هو ما يفعله مبدأ (الطباعة على الطلب).
نسبة منخفضة
ترى الهدیدي أن بعض القنوات الفضائیة لدیها برامج ثقافیة یضيء بعضها على الكاتب الإماراتي، ومنتجه في الأدب، وغیره من المجالات. لكن لو دقق المرء جیداً في خریطة البرامج الدوریة لهذه الفضائیات، لوجد أن تلك النسبة منخفضة جدا مقارنة بباقي البرامج على اختلافها. وهي كلها مهمة، ولا شك. لكن الثقافة، كما تؤكد، لا تحظى بالاهتمام المعقول، أو المقبول، وهذه النسبة المنخفضة في الأساس، تتفاوت ارتفاعاً وانخفاضاً بین باقي القنوات الفضائیة، في حین أنها في الأغلب تبدو موسمية، والحل في رأيها يتلخص في إنشاء قناة فضائیة ثقافیة؛ مهتمة بالثقافة على مستوى الإدارة والبرامج المختلفة، سواء كانت أدبیة، أو فنیة.
وتعتقد الهديدي أن الصحافة الثقافية التي بدأت معنية بالشأن الثقافي قد خبا دورها اليوم، بعدما ارتبطت إن جاز التعبیر، على نحو «شخصاني» ربما بالقائمین علیها، بصرف النظر عن حیویتهم الابتكاریة. وهذا العامل أثر في أشياء كثيرة.. على المواد الواردة إلیها، وطریقة معالجتها، وطریقة التعاطي مع كتّابها.
وفي السياق نفسه ترى أن عوامل الثقافة والفكر ونسبة الوعي لدى القائمین على الصحافة الثقافیة، هو الذي یحدد مستوى الصفحات وتوجهاتها الاستراتیجیة؛ في ما إذا كانت معدة لخدمة الساحة المحلیة وتطویرها، أو أنها تحاكي نماذج معینة في ذهن القائمین علیها، بما فیها مخاطبة ساحات ثقافیة أخرى بعیدة. فضلاً عن اقتصار كتّاب الصفحات الثقافیة والملاحق، على أسماء بعینها، فضلاً عن افتقار هذه الصفحات إلى خدمة الأخبار، وعدم استثمارها وتطویرها كقصص خبریة ثقافیة، تحتوي على متابعة مشوقة وممتعة.
جريدة الخليج