عوالم الكاتب له أم لغيره؟ – بقلم ناصر الظاهري

ناصر_الظاهري

الكاتب يريد من القراء أن يفهموا الكتابة، والقراء يريدون أن يفهموا الكاتب، تلك معضلة أو أمر جدلي يثار دائماً وأبداً في كل الأزمان والأمكنة، طرأت عليّ الفكرة بشكل مشاغب للكتابة عنها، وأنا أتابع حديث القاص والروائي الجميل «عبيد بو ملحة» الذي يُعد من الكتّاب المبدعين بدرجة عالية؛ لأن له شيئاً من التميز والتفرد، وهذا وحده يجعله مختلفاً، وجديداً في مشهد الساحة الثقافية في الإمارات، كان ذلك من خلال أمسية رائعة استضافته فيها مؤسسة «بحر الثقافة» من خلال ندواتها وأمسياتها التي لم تنقطع رغم الحصار «الكوروني» لوقت المبدعين، ولحالة الناس، متواصلين ضمن المنصات الافتراضية بالمبدعين وأصحاب المعرفة، والكتاب في حضوره الدائم في حياتنا الرقمية الجديدة أو في زمن الورّاقين والنسّاخ، وما يتركه الحبر من أثر جميل على القرطاس والورق.
لا يستطيع القرّاء إلا أن يقحموا أنفسهم في العمل الإبداعي سواء أكان قصة أم رواية أم مسرحية أم فيلماً، وهذا حقهم بالتأكيد، ويُسمح به، ولا يستطيعون أيضاً إلا أن يقتحموا حياة الكاتب، وهو حق يَسمح به الكاتب مهما كان مغلقاً، ومنطوياً على الذات، كمتنفس للقراء أن يسبروا عوالمه وطقوسه الحقيقية، وإلا ألبسوه لباس كل أبطاله، وعدّوا كل شخصية من شخصيات أبطاله أنه يمثله أو هو بعينه أو أقلها فيه الكثير منه.
الدخول إلى عوالم أي كاتب، يمكن أن يكون دخولاً إلى حديقة خضراء قد يغشيك لونها، فتعتقد أنها الجنة بعينها أو غابة من شجر حرشي تتذكر عَدْوَ الإنسان الأول نحو رزق يومه في براري لا تنتهي بالتعب أو دُغل مدلهم يحجب الشمس، ويجعل من سوادها ليلاً لا تنقضي خيوطه، يمكن أن تتذكر فيه حكايات الجدات عن الساحرة أو ليلى والذئب أو حتى ذلك الفارس النبيل «روبن هود» الذي كان يأخذ من الأغنياء ليطعم الفقراء في سعيه الدائم ليجعل الإنسان أكثر فرحاً، وأكثر شبعاً، يمكنك أن تسافر معه بعيداً وعميقاً، يأخذك على أجنحة الفرح، طائراً هائماً يحب الحَوم، وكل شجر الدنيا ملاذاً لليله وعشه، وعلامات يهتدي بها في هجراته الموسمية، يمكن أن تقرأ الكاتب من خلال نصوصه وسطوره، ويغيب عنك طقسه وتجليات ليله ونهاره، قلق قلبه، وأرق قلمه، يمكن أن تصطاد من جمله كإشارات صوفية تدلّك على طرق سلكها كشيخ ذاهب في المعرفة، واكتشاف الآخر والذات، أو كطائر مثل «أبو بشير» مشاغباً اللحظات، ويمكن أن يدلّك على رحيق نحلة أو مسكن فراشة أو وردة يمكن أن يقتلها الظمأ وحدها في تلك المزهرية التي تقبع على حافة النافذة تناظر كآبة أن ترحل مبكرة، رغم زهوها بالحياة دوماً.
هل يبيح الكاتب بعوالمه أم ندخل عنّوة في فضاءات الكتابات والحلم والمتخيل، نتلمس خفايا الكتابة، وعوالم الكاتب؟ ربما هي رحلة عذبة يتواطأ فيها الكاتب مع القارئ في اكتشاف المساحات والفراغات والألوان المتماهية بين الأزرق والأخضر، ليشكلا لوناً تعشقه النفس، ذاك اللآزوردي الهائم بين السماء والأرض وما تهوى النفس من متع.

جريدة الاتحاد