عبد الرضا السجواني، وهو اسم وذاكرة في المشهد الثقافي الإماراتي، كاتب وقاص مبدع، شهد بدايات ونشأة، ومن ثم تطور المشهد الثقافي في الإمارات، يوجه رسائل عدة، أبرزها أن على الكتّاب الجدد أن يقرأوا أكثر، وألا يتسرعوا في نشر أعمالهم، كما يوجه رسائل مهمة للجهات الثقافية المعنية لبذل جهود أكبر لتطوير آليات عملية تخدم الثقافة والمثقفين وتبرز الإمارات صانعة للإبداع والثقافة والمعرفة.
وفي معرض رصده للكتابات الشابة، يتحدث السجواني عن عنصرين مفقودين عند هؤلاء الكتاب، هما: أن أغلبية هذا الجيل ليس على اطلاع كاف على المنتج الإبداعي الخليجي والعربي، وكذلك العالمي، وثانياً أنه في أغلبيته جيل يتسرع الكتابة، كما يتسرع الاتصال بدور النشر سواء الإماراتية أو العربية، الأمر الذي يؤدي إلى صدور كتب كثيرة في القصة والرواية وحتى في الشعر، ويقول: «إذا قرأت معظمها تصاب بالإحباط، أولاً من كثرة الأخطاء النحوية واللغوية، وتلك التي لها علاقة بمهارات الصياغة الأدبية، وثانياً، من ضعف المستوى المعرفي عند هؤلاء الكتاب، فتحس وأنت تقرأ أعمالهم بضياع الفكرة، وتشتت الحبكة، وفوضى الحوار وغير ذلك من المعايير الفنية والإبداعية المطلوبة».
ويشير السجواني إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي أن معظم ما ينشر من إصدارات ورقية، تتم إعادة نشره من خلال المواقع والمنصات الإلكترونية، فتنقل الأخطاء كما هي من الإصدار الورقي إلى الإلكتروني، خاصة أن المشاهدة على المواقع الإلكترونية هي أضعاف الإصدار الورقي، ونحن بهذا كما يؤكد السجواني: «كأننا نمارس تجهيلاً مضاعفاً، ما يشكل كارثة حقيقية تحتاج إلى انتباه وحذر».
تدقيق
يرى عبدالرضا السجواني أن الإمارات تعيش عصرها الذهبي من ناحية عدد دور النشر التي تشهد زيادة ملحوظة في كل عام، وهذه الإيجابية كما يصفها السجواني لا شك في أنها ستترك أثراً حسناً في المستقبل القريب من جهة رفع سوية النتاج الإبداعي المحلي، ومن جهة استقطاب كتابات عربية وأجنبية في كل شؤون الإبداع والحقول المعرفية والإنسانية، غير أنه يطالب هذه الدور بعدم قبول أو استلام أي كتاب من دون التدقيق في محتواه الأدبي، وما يقدمه من أفكار، وما يضيفه من حصيلة فنية وإبداعية تبعاً لنوع الكتاب وجنسه الأدبي، وهو يطالب هذه الدور بالسعي لاستقطاب متخصصين فنيين، في شؤون اللغة، والكتابة الإبداعية، للإشراف على هذه الكتب وانتقاء أفضلها للنشر، وتقديم النصيحة لأصحاب الكتب المرفوضة، لمراجعتها وتقديمها من جديد على نحو أفضل وأكثر عمقاً ورصانة.
ويشير السجواني إلى تجربة العراق بوصفه البلد الذي قدم في سبعينيات القرن الماضي أفضل مشروع أدبي للتفرغ الإبداعي، وفي هذا الصدد يقول: تحتاج تجربة التفرغ الإبداعي في الإمارات إلى قراءة متأنية، من عدة نواح لها صلة بالمشروع الأدبي المطلوب التفرغ لأجله، سواء إذا كان في مجال الرواية أو القصة أو الشعر، وغير ذلك، وهذا يتطلب محاور عدة، كما يحتاج إلى نقاشات جادة بين طرفي عملية التفرغ الأدبي، من جانب الوزارة أو الجهة الداعمة للتفرغ، ومن طرف الكاتب المبدع صاحب المشروع الثقافي، ويجب أن تطرح أسئلة جادة مثل: هل نحتاج إلى رواية واقعية عصرية، أم إلى رواية تاريخية؟ وربما قصة رومانسية واجتماعية، وهكذا.
ويؤكد السجواني أن التفرغ يحتاج إلى مزيد من الإصغاء والتأمل، وهو في هذا يشير إلى جائحة كورونا التي ألزمت الكثير من المثقفين بالجلوس في المنازل، وبالنسبة إليه فقد شكلت الجائحة فرصة لإعادة قراءة ما كتب.
تنسيق الفعاليات
ويعتبر السجواني فوضى الفعاليات الثقافية من الإشكاليات الكبرى، ويقول: «نحن نعاني فوضى الفعاليات الثقافية منذ ثمانينات القرن الماضي، ولا نستطيع ضبط إيقاع هذه الفعاليات، وقد يقول قائل إن ذلك يمنح المثقف فرصة الانتقاء من بين عدد من الفعاليات المقامة في زمن واحد، لكن ذلك بحسب رأيي ليس صحيحاً» ويضيف: «مطلوب من الجهات المنظمة الإمساك بآلية عمل واضحة، لتقديم برامج لفعاليات ثقافية متنوعة وتهدف لتحقيق خطط لتنمية ثقافية ناجعة».
ويطالب السجواني اتحاد الكتاب بطرح موضوع (الثقافة في المناهج المدرسية) على مجلس إدارته الجديد، ويؤكد أن عليه تقع مهمة تنشيط هذه المسألة، والتنسيق مع الجهات المختصة لتزويد المنهاج المحلي بعدد من الإسهامات الأدبية لكتاب إماراتيين معروفين وجادين.
وفي إطار تحريك المشهد الثقافي المحلي، يوجه السجواني عدة أسئلة للمؤسسات الثقافية المختلفة في الدولة، حول مسائل غاية في الأهمية من بينها تنظيم ورش إبداعية للكتابة المسرحية والسينمائية، وأيضاً لكتابة المقالة، حيث نفتقد إلى كتاب متخصصين في هذين المجالين.
كتاب بدرهم
يتحدث السجواني عن ظاهرة ثقافية حدثت في ثمانينات القرن الماضي، حيث تكدست النسخ الأدبية لعدد من الكتاب الإماراتيين في مخازن الاتحاد، فاتخذت إدارة الاتحاد وقتها قراراً ببيع النسخة بدرهم واحد، وهو يستذكر هذه الحادثة، لتنشيط أفكار مماثلة عند كل من الكتاب والجهات الثقافية لابتداع مبادرات تساعد في نشر الكتاب الإماراتي وتوزيعه.
تايتانك الأحلام
يشير السجواني إلى واحدة من إصداراته الأدبية وهي رواية «تايتانك الأحلام» التي كتبها بمشهدية سينمائية عالية، وتصلح لأن تتحول إلى عمل سينمائي ويقول: «في هذا العمل لجأت إلى كثير من الوثائق وخاصة الأرشيف البريطاني، فعثرت على مادة غنية عن ركام سفينة (دارا) التي اضطرمت فيها النيران وهي تابعة لشركة الملاحة البحرية البريطانية عبر الهند، والرواية مكتوبة بمخيال سينمائي وترصد عذابات وصرخات العشرات، بل المئات من ركابها».
جريدة الخليج