احتضنت الشارقة فن المسرح بطريقة مختلفة، استطاعت رؤية حاكمها ورعايته المستمرة أن تحوّلها إلى مركز راسخ لهذا الفن يستثمر في شراكات وعلاقات ثقافية واسعة النطاق.
وعقدت الشارقة بين الفرق المسرحية والفنانين المحليين، وبين المشهد المسرحي والفنان العربي والخليجي، روابط أقل ما يقال عنها إنها مشاريع إبداعية مستدامة واستثمار عزّ مثيله في العالم.
ومن مهرجانات محلية إلى أخرى عربية وخليجية، مدّت الشارقة مساحات تواصلها لتصبح مركزاً متعدد الأوجه للثقافة والفنون. ومن 2015 إلى اليوم، تسجل تظاهرة مهرجان المسرح الخليجي حضوراً لافتاً، حيث أعاد تشكيل مفهوم المنافسة القائمة بين الفنانين لتطويع الإبداع، من أجل إبراز التجارب المسرحية الخليجية المبتكرة والمتميزة.
وفي ورشة كبرى يتواصل المسرحيون مع بعضهم بعضاً ومع الجمهور، وتتعزز العلاقة بينهم على أرض عاصمة الإبداع ملهمة الفنانين وحضنهم الأكبر.
برزت الشارقة نقطة تحوّل عربية للفن المسرحي بتسليط الضوء على ما يقدّمه هذا الفن من قضايا تجمع بين المحترفين والموهوبين، وتعزز العلاقة بين الأفكار ووجهات النظر، وتفسح المجال لصقل المهارات وإبراز أفضل ما لدى كل فرقة من إبداعات.
وعلى الرغم من تعدّد المهرجانات وتنوعها في الشارقة على مدار العام، يزدهر مهرجان المسرح الخليجي بحضوره كل عامين، كواحد من حبات عقد المشروعات الخليجية المشتركة، وأيقونة إبداعية مختلفة تضفي على بقية المبادرات الاقتصادية والاجتماعية قبساً من جمال، وإحساساً مرهفاً وعلاقة ترتقي بالإحساس وتسمو به فوق كل شيء.
يتميز مهرجان المسرح الخليجي بتقديم قضايا لا يستغربها الجمهور، بلغة ينسجم معها وحكايات يعيشها بشكل يومي. وكجزء من سلسلة واحدة ومنظومة عقد، يربط دول الخليج بمجتمعات وقضايا متشابهة، يبرز فيها معنى الوحدة التي تسمو بالثقافة وتزدهي بقوّتها الناعمة.
ويلعب المهرجان دوراً أساسياً في كونه منصة لقاء تجمع المبدعين والموهوبين في دول الخليج، بحيث تخلق هذه اللقاءات أعمالاً مشتركة، وتسهم في التفكير بأكثر من مشروع مستقبلي، يجمع الفنانين معاً، ويسهم في بلورة اتفاقيات تحفز الفن الخليجي، وتساعده على تكثيف حضوره في أكثر من وسيلة وطريقة.
إضافة إلى ما تصوغه الندوات الفكرية من وعي يربط بين آراء وأفكار مختلفة تسعى جميعها إلى تحسين المشاريع المسرحية مستقبلاً، وتعمل الورش التدريبية المقدمة من خلالها على صقل مهارات ومواهب الفنانين.
وتقوم النقاشات الدائرة بين «المنتدين» والجمهور مقام الإضاءة التي تركز على واقع المسرح في دول المنطقة، وعلى تجارب الفنانين من أجيال مختلفة، من أجل دعم الشباب الجدد بقصص وإبداعات من سبقوهم، والسبل المجربة لتجاوز كثير من محطات الحياة الصعبة أثناء تلك الرحلة.
ويمكن القول إن مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي هو أحد أكثر المشاريع طموحاً بين بقية المهرجانات المسرحية، ففي كل دورة يقدّم حقبة جديدة من جهد تسعى الشارقة إليه بدأب ونجاح، لتصبح وجهة ثقافية قادرة على عقد شراكات فريدة من نوعها، مع العالم العربي ومنطقة الخليج على وجه التحديد.
وجذبت الشارقة منذ وضعت مشروعاتها الثقافية والفنية، العقول المبدعة وهواة المسرح والمختصين فيه، إضافة إلى تحوّلها إلى أرض لاكتشاف المواهب وتدريبها وصقلها ودمجها، ضمن مبادرات ثقافية ترتقي بها وترعاها لتصبح ذات أثر عالمي مستقبلاً.
وشهد مهرجان المسرح الخليجي منذ بدايته تطوراً فنياً وثقافياً مكثفاً، استفاد منه المشهد الفني المزدهر في الإمارات بمجموعة من وجهات النظر والتجارب المختلفة.
عاصمة الإبداع – بقلم باسمة يونس
جريدة الخليج