لم يكن عدد الذين يقرأون اللغات الأجنبية من العرب، خاصة الفرنسية والإنجليزية، في زمن طه حسين كبيراً، فمهما كان العدد، تظل نسبته من مجموع القراء قليلة للغاية، والمؤكد أن عدد هؤلاء تضاعف اليوم مرات عدة، وإن كان صعباً التحقق من النسبة المئوية التي تشكّلها هذه الأعداد المتضاعفة من مجموع القراء أولاً، ومن مجموع السكان ثانياً، خاصة مع تزايد الحديث عن انبعاث جديد للأمية في بلدان عربية كانت أقرب إلى أن تقضي عليها، خاصة مع تتالي محن الحروب والفتن وتدمير المدارس والمدن التي تحويها، واضطرار الملايين للعيش في مخيمات لجوء عاجزة عن تأمين خدمات التعليم، وسواها من خدمات العيش الضرورية.
في زمنه ذاك، دعا طه حسين إلى وضع استراتيجيات لترجمة الآداب العالمية إلى اللغة العربية، وهي دعوة صالحة لزماننا أيضاً، وكذلك لمستقبلنا، رغم أن حجم ما يترجم من أدب عالمي إلى العربية قد تضاعف بدوره، مع ظهور أجيال جديدة من المترجمين المتمكّنين من لغات أجنبية، لم تعد حصراً على الفرنسية والإنجليزية، فقد انضمّت إليها لغات أخرى كالروسية والإسبانية، وإلى حدٍ ما الألمانية، بل إن الأمر لم يعد يقتصر على اللغات الغربية وحدها، وإنما انضمت إليها لغات شرقية عريقة ينطق بها مليارات البشر، وفي مقدمتها الصينية. ولكليّات الألسن في الجامعات المصرية دور كبير في تخريج جيل شاب من المترجمين والمترجمات المتمكّنين من لغات شرقية عدة، في مقدمتها الصينية.
ولم تكن دعوة طه حسين إلى الترجمة من اللغات الأخرى نابعة من تقليل من أهمية ما كُتب، ويكتب بالعربية، وهذا ما لاحظه كاتب فرنسي نقل شهادته الدكتور يوسف بكار في كتابه «أوراق نقدية جديدة عن طه حسين»، حيث لاحظ هذا الكاتب أن طه حسين تحرر مما يمكن وصفه ب«عقدة الخواجة»، حين قال عنه: «لقد أحبّ طه حسين نمطَي الثقافتين، العربية والغربية، حباً مضاعفاً ومتساوياً، ما جعله يتغلب على كل العقد».
ولاحظ بكار في حديثه عن طه حسين والترجمة، أن دعوة العميد إلى الترجمة لم تكن مصرية ضيقة، بل كانت، وخاصة في مشروعات الروائع، كترجمة آثار شكسبير، أو راسين، أو جوته، قومية شاملة، حيث كتب طه حسين يقول: «وأنا حين أفكر في هذه الأشياء لا أفكر في مصر وحدها، وإنما أفكر في البلاد العربية كلها، وأفكر في كل الذين يتخذون العربية وسيلة إلى الثقافة، والى الثقافة العليا خاصة، فلا بأس إذن من أن نبدأ بما ينفع أضخم عدد من العرب، وأن ننتظر قليلاً مما ينفع الخاصة».