أهدى تلفزيون الكويت مشاهديه مع مطلع شهر رمضان المبارك مقطع فيديو أنتجه مستخدماً تقنية الواقع المعزز.
لقي المقطع، الذي جاء على شكل فيديو كليب إعلاني بمناسبة شهر رمضان المبارك، انتشاراً واسعاً عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وصادف استحساناً من قبل كل الذين شاهدوه. مدة المقطع ثلاث دقائق ونصف الدقيقة تقريباً، تبدأ بعبارة «في الذاكرة.. لنا مكان ما تغيره الأيام» وتنتهي بعبارة «تلفزيون الكويت.. واحد من أهل البيت».
يستعرض المقطع لقطات من أهم الأعمال الدرامية التي أنتجها التلفزيون على مدى ستين عاماً من تاريخه، مستذكراً نجوم التمثيل الكبار الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الدراما الكويتية، التي لا يختلف اثنان على أنها وضعت اللبنات الأولى للدراما الخليجية، وظلت تتسيد المشهد الدرامي في منطقة الخليج العربي سنوات، قبل أن تلحق بها دول الخليج الأخرى بعد أن استفادت من تجربتها، حتى ظهر نجوم استطاعوا أن يتقاسموا الصدارة مع نجوم الكويت، فشارك بعضهم في أعمال نالت قبول واستحسان المشاهدين.
كما تظهر في المقطع لقطة، هي الوحيدة باللونين الأبيض والأسود، للأستاذ ماجد الشطي، أحد ألمع المذيعين الكويتيين، الذين دخلوا مجال الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في ستينيات القرن الماضي، وظل وفياً للشاشة والميكروفون على مدى أكثر من 50 عاماً، وما زال يعطي عبر ميكروفون إذاعة الكويت، بعد أن تخلى عن الظهور التلفزيوني. وتصاحب المقطع أغنية جميلة تحمل الكثير من الشجن، وهي تستعيد أغنية عرض برامج الغد القديمة في تلفزيون الكويت «عادت عليكم».
من الطبيعي أن يجذب هذا المقطع اهتمام الجيل الذي عاصر تلك المرحلة، وشاهد الأعمال الذي تضمن المقطع لقطات منها وقت عرضها على شاشة تلفزيون الكويت والتلفزيونات الخليجية، التي كان تلفزيون الكويت يهديها إياها، لكن غير الطبيعي هو أن يجذب المقطع اهتمام أجيال لم يكن أحد منهم قد وُلِد عندما تم عرض هذه الأعمال، وآخرين انصرفوا عن مشاهدة التلفزيون نهائياً تقريباً، وصاروا يستخدمون وسائل أخرى أصبحت هي نافذتهم على الحياة، والطاقة التي يطلون من خلالها على كل ما يجري في هذا الكون.
هذه الفئة لا يمكن أن يكون الحنين إلى الماضي، الذي كثيراً ما ندّعي أنه هو ما يجذب الكبار إلى هذه الأعمال، هو الذي جذبها إلى مشاهدة المقطع وتداوله، لأنها لم تعش تلك المرحلة ولم تشاهد الأعمال التي أُنتِجت خلالها، وربما لا تعرف أسماء الفنانين الذين ظهروا في المقطع، ولم تطّلع على تاريخهم الفني، الأمر الذي يدعونا إلى البحث عن الدافع الذي جعلها تُعجَب بالمقطع وتتداوله.
يبدو أن الذوق العام لم يفسد كما يحلو لأصحاب نظرية فساد الذوق العام أن يروجوا، ولكنّ ما فسد هو الآلة التي تقف وراء إنتاج الأعمال الدرامية التي نشاهدها هذه الأيام، والتي نادراً ما تجذب اهتمام الأجيال الجديدة، إذا ما اعتبرنا أن الأجيال القديمة مرتهنة لماضٍ لا تريد أن تغادره مفضلة البقاء فيه أو العودة له كلما أتيح لها ذلك.
يدل على هذا أن الأجيال الجديدة ترفض ما يُقدَّم لها من أعمال اليوم، وتتقبل أعمال الماضي الذي لم يُتَح لها أن تعيشه، وتتذوق تلك الأعمال التي تم إنتاجها قبل نصف قرن تقريباً دون أن يتعرض ذوقها للفساد، أو تشعر بأنها منفصلة عن المرحلة التي تعيشها.
يتساءل البعض عما إذا كان الشغف والموهبة هما سر نجاح تلك الأعمال، رغم أن المرحلة كانت مبكرة جداً، والخبرة كانت قليلة لم تتكون بعد، وقواعد الأشياء تقول إنه كلما تراكمت الخبرة ارتفعت الجودة، فأين هي الجودة التي يُفتَرض أن ترتفع ونحن نشاهد أعمالاً لا ترقى إلى مستوى ما يتم صرفه عليها، وإسفافاً يتجاوز الحد المعقول بدعوى أن الكوميديا تتطلب ذلك؟ هذا تبرير غير مقبول، وإلا لكانت الأعمال السابقة التي رأينا مشاهد منها في ذلك المقطع، قد مارست الإسفاف في ظل قلة خبرة العناصر التي أنتجتها، ومحدودية الميزانيات التي كانت تُرصَد لإنتاج تلك الأعمال التي أصبحت أيقونات في تاريخ الدراما الخليجية والعربية، وهي أعمال لو أحصيناها لتكونت لدينا قائمة شرف طويلة منها.
شكراً تلفزيون الكويت، فقد أثبتّ بالدليل القاطع أنه ليس الحنين إلى الماضي هو ما يجمع الأجيال المختلفة حول مائدة الأعمال الدرامية الجميلة، وإنما هو جودة تلك الأعمال وموهبة الذين يقدمونها.
جريدة البيان