شعبية أدبية ممتدة – بقلم د.باسمة يونس

باسمة يونس

كان للقصص العربية شعبية واضحة في الأدب في الغرب في العصور الوسطى، واكتسب الغرب إرثه الأدبي من الأدب العربي ويظهر هذا واضحاً في قصائد الشعراء الإنجليز تلك الفترة واستلهامهم منها ما جعلها حجر أساس النهضة في تلك الفترة. وبدأ ذلك قبل ترجمة الكتب، واعتماداً على القصص الشفهية المملوءة بالخيال والتي كانت متداولة بين الناس قبل كتابتها واستمر التأثير في القرن العشرين، حيث يمكن للمرء بسهولة العثور على روح الشرق وعناصره في الأدب والسينما والخيال وحتى في وسائل الإعلام الإلكترونية.

وشاركت قصص ألف ليلة وليلة في ولادة روايات عالمية معروفة مثل قصة «روبنسون كروزو» واكتشافاته ورحلات جاليفر المستلهمة كذلك من مخيلة حكايات ألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد البغدادي الحافلة بالإثارة والتشويق والتي اعتبرت إلى اليوم جزءًا مهماً من الترفيه الأوروبي. وظهر النمط العربي التقليدي المعروف بوجود حكّاء يروي قصة عن آخرين في أعمال مختلفة مثل «الكوميديا ​​الإلهية» لدانتي و«الديكاميرون» لبوكاشيو، كما ظهرت قصص العرب وشخصياتهم في أكثر من رواية وعمل مسرحي في الغرب كظهور عطيل في مسرحية شكسبير «عطيل وديدمونة» واقتباسه موضوع مسرحيته «العبرة بالنهاية» منه واتباع «شوسر» نهج «بوكاشيو» في كتابة «قصص كانتوبوري» على المنوال نفسه وتطور خيال تشارلز ديكنز الذي استفاد من ألف ليلة وليلة باستثارة الشعور بالجمال والسحر ودهشة الغموض في أعماله.

وبسبب تعمد الأدب في الغرب اختيار الأعمال التي تتفق مع نظرته تجاه العرب وتعزز اهتمامه المتزايد بحياة الشرق العامرة بالمتع والملذات بدت حكايات ألف ليلة وليلة منجماً خصباً لإثبات وجهة نظره ولتعميم ونشر صورة العرب وبلاد العرب على أنها موطناً للخرافات والحكايات الخيالية والرومانسية. وقد صدرت أكثر من ترجمة لألف ليلة وليلة إلى درجة اعتباره من أعظم الكتب في العالم إلى جانب ما تمثله أعمال شكسبير للغرب.

وربما يعود ذلك أيضاً إلى اعتقاد الكثير من الناشرين أو حتى الكتاب في الغرب أنه عليهم ترجمة الأعمال التي تعزز نظرتهم نحو العرب وتفيد مجتمعهم في فهم المضمون والمحتوى العربي كما يريدونه أن يكون. ولأنهم ينظرون إلى العرب على أنهم سكان مملكة سحرية وغامضة ذات ثروة لا حدود لها وجمال لا يوصف ومملوءة بالجن والعفاريت، وهو ما جعل «ألف ليلة وليلة» ملهمة الأدب في الغرب إلى درجة أن هناك من يقول عنها بأنها عرابة خيال الأدب والأدباء في الغرب.

ولا يزال الأدب في الغرب يستثمر ما يحتاج إليه من الأدب العربي ويختار منه الجزئية التي تتسق مع أفكاره تجاهه، وتتفق مع كل ما يريدون تعزيزه من قصص وحكايات عن الخلفاء والملوك وما يدور في كواليس هذه الممالك الساحرة. ولا يمكن إنكار أن الليالي العربية أو قصص «ألف ليلة وليلة» كانت ولا تزال تعتبر جوهرة للأدب العالمي، وكنزاً للروايات التي تفتش عن الأفكار الساحرة والحكايات الخيالية والرومانسية والتاريخية من مصادر مختلفة.

جريدة الخليج