قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في مداخلة عبر برنامج الخط المباشر، الذي تبثه قناة الشارقة الفضائية، بمناسبة إطلاق مؤلفه الجديد «محاكم التفتيش»: «إن هذا الكتاب يختلف عن كتابي السابق (إني أُدين)، الذي يتحدث عمن اتخذ القرارات من الملك إلى الحكومة، الكتاب الجديد يتناول محاكم سرّية، تمارس الإعدام والحرق، وأموراً كثيرة في حق المسلمين، وربما الآن الشعب الإسباني لا يعلم عنها لأنها كلها محفوظة سرياً، واستطعت أن أحصل على 23 مخطوطة في صورة ملفات محاكمات، وبحثت فيها وحققتها، وسيتوافر الكتاب في المكتبات في القريب العاجل بإذن الله».
يقول صاحب السمو حاكم الشارقة في مقدمة الكتاب: بعد غزو الملوك الكاثوليكيين في عام 1492 لغرناطة، آخر ممالك المسلمين المتبقية في إسبانيا، أدخلوا تشريعاً يقضي بتحويل المسلمين في غرناطة عن دينهم قسراً إلى المسيحية، وإلا سيواجهون النفي. ورغم أن الأغلبية اختاروا التحول عن دينهم، بدلاً من النفي، إلا أن مجموعة الوثائق تبين أنه بعد أكثر من نصف قرن، واصل المسلمون المحافظة على لغتهم، وعاداتهم وممارسات دينهم وتعكس إحدى الوثائق في المجموعة فشل السلطات في القيام بتنصير ناجح للمسلمين.
وأضاف سموه: أعتقد أن هذا الكتاب الذي تم فيه تحقيقٌ لثلاثة وعشرين ملفاً لقضايا ضد المسلمين في الأندلس النسخة العربية تضم: المجلد الأول: 712، المجلد الثاني: 678، النسخة الإسبانية: المجلد الأول: 638، المجلد الثاني: 610. سيكون له تأثير، وهنا نطالب على الأقل بأن يرجع لنا مسجد قرطبة، وسبق وطالبت بذلك، فأخبروني بأن البلدية أعطته للكنيسة، فقلت لهم: «أعطى من لا يملك لمن لا يستحق»، فهذا ملكنا نحن كمسلمين، ومع ذلك إرجاعه سهل وقريب بإذن الله.
قال صاحب السمو حاكم الشارقة «إن الندرة الشديدة في وثائق محاكم التفتيش تجعل هذه المجموعة مهمة على نحو استثنائي، لتوفير صوت لأولئك المسلمين الصامتين خلال قرون، إنها مصدر استثنائي للمعلومات حول ازدهار حضارة المسلمين في غرناطة، والتي سرعان ما ستختفي بعد رد فعل المسلمين تجاه الضغط المتزايد عليهم لترك ثقافتهم، ما أدى إلى انتفاضة (البَشَرات)، خلف جبال (سيرانفادا)، والمعروفة أيضاً باسم حرب غرناطة في الفترة من عام 1568-1571».
أشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أن المتهمين عموماً كانوا من الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعاً في الحياة، ومن بينهم هناك الكثير من النساء اللواتي كان لهن تأثير بدورهن التقليدي على الثقافة الدينية لأطفالهن. من خلال أداء الشهادات أمام القاضي، يمكن للمرء أن يحصل على انطباع عن مدى البساطة بين المتهمين الذين تم سحبهم من حياتهم الوادعة ليواجهوا آلة التفتيش التي لا ترحم. كانت الأحكام الصادرة عن محاكم التفتيش قاسية جداً. ففي حالة ثلاث من المسلمات: «ماريا ألباكين»، و«ماريا ميغميغ»، و«إينيس دي لا سيرنا»، تم عرضهن على إحدى محاكم التفتيش، والتي تسمى «أوتو دو في»، محاكمة تجرى من قبل رجال تابعين للعقيدة الكاثوليكية، على مداخل كل قرية أو مدينة، علناً أمام الأهالي، فإن أنكر المتهم، أحرق في الحال وإذا اعترف بذنبه بأنه منشق عن العقيدة الكاثوليكية، حكم عليه بالسجن لسنوات عدة، وقد اعترف الكثيرون بذنوب لم يقترفوها، وقد كانت أول محاكمة من هذا النوع في «إشبيلية» «Sevilla» عام 1481. حيث أجبرت المذكورات على ارتداء لباس الزنادقة المنشقات عن العقيدة الكاثوليكية المدانات لبقية حياتهن، واعترفن علناً بخطيئتهن، كما تمت مصادرة كل ممتلكاتهن، وأرسلن إلى السجن لمدة ثلاث سنوات. وبدت إدانتهن كوصمة عار لكل منهن.
وكان العالم يلحق الأذى بسمعة تلك المحاكمات تحت تهديد متنامٍ، وسرعان ما تلقت تلك المحاكمات ضربة حاسمة بانتفاضة المسلمين في منطقة «البَشَرات»، (1568م-1571م)، التي تم قمعها بضراوة من قبل «فيليب الثاني».
اختتم صاحب السمو حاكم الشارقة الكتاب بالإشارة إلى إحصائية مهمة، فقد استمرت تلك المحاكمات المعروفة بمحاكم التفتيش، منذ تأسيسها في الأول من شهر نوفمبر عام 1478م، حتى تمّ إلغاؤها في الخامس عشر من شهر يوليو عام 1834م، وقد راح ضحيتها نصف مليون مسلم.